وقيل : إنّ الوعد بقوله : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) مشروط بقيد الطّاعة ، فلما لم يوجد الشّرط لم يوجد المشروط.
وقيل : إنّها محرّمة عليهم أربعين سنة ، فلما مضى الأربعون حصل ما كتب.
وفي قوله : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) فائدة ، وهي (١) أنّ القوم وإن كانوا جبّارين ، إلّا أنّ الله تعالى لمّا وعد هؤلاء الضّعفاء بأنّ تلك الأرض لهم ، فإن كانوا مؤمنين مقرّبين بصدق الأنبياء ، علموا قطعا أنّ الله ينصرهم عليهم ، فلا بدّ وأن يعزموا على قتالهم من غير خوف ولا جبن.
قوله : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) فالجار والمجرور [حال من فاعل «ترتدوا» أي : لا ترتدوا منقلبين ، ويجوز أن](٢) يتعلّق بنفس الفعل قبله.
وقوله : «فتنقلبوا» فيه وجهان :
أظهرهما : أنّه مجزوم عطفا على فعل النّهي.
والثاني : أنّه منصوب بإضمار «أن» بعد الفاء في جواب النّهي.
و «خاسرين» حال.
وفي المعنى وجهان :
أحدهما : لا يرجعوا عن الدّين الصّحيح في نبوّة موسى ؛ لأنّه ـ عليهالسلام ـ لما أخبر الله تعالى جعل تلك الأرض لهم ، [أو](٣) كان هذا وعدا بأنّ الله ينصرهم (٤) عليهم ، فلو لم يقطعوا بهذه النّصرة ، صاروا شاكّين في صدق موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيصيروا (٥) كافرين بالنبوّة والإلهيّة.
والثاني : لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها إلى الأرض الّتي خرجتم عنها ، يروى أنّهم عزموا على الرّجوع إلى مصر.
وقوله : (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) أي : في الآخرة يفوتكم الثّواب ويلحقكم العقاب.
وقيل : ترجعون إلى الذّلّة ، وقيل : تمزّقون (٦) في التّيه ، ولا تصلون (٧) إلى شيء من مطالب الدّنيا ومنافع الآخرة.
قوله : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) والجبّار : فعّال من جبره على الأمر ، بمعنى : أجبره عليه ، وهو الذي يجبر النّاس على ما يريد ، وهذا اختيار الفرّاء والزّجّاج (٨).
__________________
(١) في ب : وهو.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : ينصركم.
(٥) في ب : فصيروا.
(٦) في ب : تموتون.
(٧) في ب : تقبلون.
(٨) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٥٧.