قال الفرّاء (١) : لا أسمع فعّالا من أفعل إلّا في حرفين وهما : جبّار من أجبر ، ودرّاك من أدرك.
وقيل : مأخوذ من قولهم : نخلة جبّارة ، إذا كانت طويلة مرتفعة لا تصل الأيدي إليها ، ويقال : رجل جبّار ، إذا كان طويلا عظيما قويّا تشبيها بالجبّار من النّخل ، والقوم كانوا في غاية القوّة وعظم الإجسام ، بحيث ما كانت أيدي قوم موسى تصل إليهم ، فسموهم جبّارين لهذا المعنى.
فصل
قال المفسّرون (٢) : لما خرج موسى من مصر ، وعدهم الله ـ تعالى ـ إسكان أرض الشّام ، وكان بنو إسرائيل يسمّون أرض الشّام أرض المواعيد ، ثم بعث موسى ـ عليهالسلام ـ اثني عشر نقيبا من الأنبياء ، يتجسّسون لهم أحوال تلك الأراضي (٣).
فلمّا دخلوا تلك الأماكن رأوا أجساما عظيمة ، قال المفسّرون : فأخذهم أحد أولئك الجبّارين ، وجعلهم في كمّه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه ، وأتى بهم الملك فنثرهم بين يديه ، وقال متعجّبا للملك : هؤلاء يريدون قتالنا ، فقال الملك : ارجعوا إلى صاحبكم ، وأخبروه بما شاهدتم.
قال ابن كثير : وهذه هذيانات من وضع جهّال (٤) بني إسائيل ، ولو كان هذا صحيحا لكان بنو إسرائيل معذورين في امتناعهم عن القتال (٥) ، وقد ذمّهم الله تعالى على مخالفتهم وترك جهادهم ، وعاقبهم بالتّيه ، ثمّ انصرف أولئك النّقباء إلى موسى وأخبروه بالواقعة ، وأمرهم أن يكتموا ما شاهدوه ، فلم يقبلوا قوله إلا رجلان منهم ، وهم : يوشع ابن نون ، وكالب بن يوقنا فإنهما سهّلا الأمر ، وقالا : هي بلاد طيّبة كثيرة النعم والأقوام (٦) ، وإن كانت أجسامهم عظيمة ، إلّا أنّ قلوبهم ضعيفة.
وأما العشرة الباقية فإنّهم أوقعوا الجبن في قلوب النّاس حتّى أظهروا الامتناع من غزوهم ، وقالوا لموسى : (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها ما دامُوا فِيها ، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، فدعا عليهم موسى ، فعاقبهم الله تعالى بأن أبقاهم في التّيه أربعين سنة.
وقالوا : وكانت مدّة غيبة النّقباء المتجسّسين أربعين يوما ، فعوقبوا بالتّيه أربعين سنة.
قالوا : ومات أولئك العصاة بالتّيه ، وأهلك النّقباء العشرة في التّيه بعقوبة غليظة (٧) ،
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٥٥.
(٣) في ب : الأرض.
(٤) في أ : جهالة.
(٥) في ب : قتالهم.
(٦) في أ : والأقوان.
(٧) في ب : عظيمة.