وقال بعضهم : إنّ موسى وهارون ماتا ـ أيضا ـ في التّيه.
وقال آخرون : إنّ موسى بقي ، وخرج معه يوشع بن نون وكالب ، وقاتل الجبّارين وغلبهم ، ودخلوا تلك البلاد.
وروي أنّه لم يخرج من التّيه [أحد](١) ممن دخله ، [بل](٢) ماتوا كلّهم في مدّة أربعين سنة ، ولم يبق إلا ذراريهم يوشع بن نون وكالب ـ عليهما الصلاة والسلام ـ.
قال المفسّرون : إنّ بني إسرائيل دخلوا البريّة عند سيناء في الشّهر الثالث من خروجهم من «مصر» ، وكان خروجهم في أوّل السّنة التي شرعت لهم ، وهي أوّل فصل الرّبيع ، فكأنّهم دخلوا التّيه في أوّل فصل الصّيف.
قوله تعالى : (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ).
قالوا هذا القول على سبيل الاستبعاد ، كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠].
وقوله : (فَإِنَّا داخِلُونَ) أي : فإنّا داخلون الأرض ، فحذف المفعول للدلالة عليه.
قوله : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) هذا الجارّ والمجرور في محلّ رفع صفة ل «رجلان» ، ومفعول «يخافون» محذوف تقديره : «يخافون الله» ، أو يخافون العدوّ [ولكن ثبّتهما الله تعالى] بالإيمان والثّقة به ، حتى قالوا هذه المقالة ، ويؤيّد التّقدير الأوّل التّصريح بالمفعول في قراءة ابن مسعود (٣) «يخافون الله» ، وهذان [التّأويلان](٤) بناء على ما هو المشهور عند الجمهور ، من كون الرّجلين القائلين ذلك من قوم موسى ، وهما : يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف فتى موسى ، والآخر : كالب بن يوفنا ختن موسى على أخته مريم بنت عمران ، وكان من سبط يهوذا.
وقيل : الرّجلان من الجبّارين ، ولكن أنعم الله عليهما بالإيمان حتّى قالا هذه المقالة يحرّضونهم (٥) على قومهم لمعاداتهم لهم في الدّين ، وعلى هذا القول فيحتمل أن يكون المفعول «يخافون» كما تقدّم ، أي : يخافون الله أو العدو ، والمعنى كما تقدّم ويحتمل أنّ في المفعول ضميرا عائدا على الموصول ، ويكون الضّمير المرفوع في «يخافون» ضمير بني إسرائيل ، فالتّقدير : [من](٦) الّذين يخافهم بنو إسرائيل.
وأيّد الزّمخشريّ هذا التّأويل بقراءة من قرأ (٧) «يخافون» مبنيّا للمفعول [وبقوله
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٧٥ ، والدر المصون ٢ / ٥٠٦.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : بحرصهم.
(٦) سقط في أ.
(٧) ينظر : الكشاف ١ / ٦٢٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٧٠ والمحرر الوجيز ٢ / ١٧٥ ، والدر المصون ٢ / ٥٠٦.