والسلام عرف ملك الموت ، وأنه جاء ليقبض روحه لكنه جاء مجيء الجازم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير ، وعند موسى ما قد نص عليه نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم من «أن الله لا يقبض روح نبي حتى يخيّره» فلما جاءه على غير الوجه الذي أعلم بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه ، فلطمه ففقأ عينه امتحانا لملك الموت ؛ إذ لم يصرح له بالتخيير. ومما يدل على صحة هذا ، أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم ، والله بغيبه أحكم وأعلم. هذا أصح ما قيل في وفاة موسى عليهالسلام. وقد ذكر المفسرون في ذلك قصصا وأخبارا الله أعلم بصحتها ؛ وفي الصحيح غنية عنها. انتهى.
فصل
وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة ، فيروى أن يوشع رآه بعد موته في المنام فقال له : كيف وجدت الموت؟ فقال : «كشاة تسلخ وهي حية».
وقوله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي لا تحزن.
[والأسى : الحزن ، يقال : أسي ـ بكسر العين ـ يأسى ، بفتحها ، ولام الكلمة تحتمل أن تكون من واو ، وهو الظاهر لقولهم : «رجل أسوان» بزنة سكران ، أي : كثير الحزن ، وقالوا في تثنية الأسى : أسوان ، وإنما قلبت الواو في «أسي» ياء لانكسار ما قبلها ، ويحتمل أن تكون ياء فقد حكي «رجل أسيان» أي كثير الحزن ، فتثنيته على هذا «أسيان». والله أعلم بغيبه](١).
قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٣٠)
(وَاتْلُ)(٢)(عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) الآية.
في تعلّق هذه الآية بما قبلها وجوه :
__________________
(١) في أ :
تم الجزء الثاني من كتاب تفسير القرآن العظيم تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة والعمدة الحبر البحر الفهامة وحيد دهره وفريد عصره الفاضل الأكمل والمتبحر الأمثل ابن عادل أعاد الله علينا من بركاته في الدنيا والآخرة آمين ويتلوه الجزء الثالث أوله قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) ... الآية.
(٢) في أ : بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم اختم بخير يا كريم.