ولما فرغ من الوعيد ، أتبعه بذكر الوعد.
وهو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً)(١٢٢)
يجوز في (وَالَّذِينَ آمَنُوا) : وجهان :
الرفع على الابتداء ، والخبر : «سندخلهم».
والنّصب على الاشتغال ، أي : سندخل الذين آمنوا سندخلهم ، وقرىء (٢) : «سيدخلهم» بياء الغيبة.
واعلم : أنه ـ تعالى ـ في أكثر آيات الوعد ذكر (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ولو كان الخلود يفيد التأبيد والدوام ، لزم التكرار وهو خلاف الأصل ، فعلمنا (٣) أن الخلود عبارة عن طول المكث لا عن الدّوام ، وأما في آيات الوعيد ، فإنه يذكر الخلود ، ولم يذكر التّأبيد إلّا في حقّ الكفار ، وذلك يدلّ على أن عقاب الفساق منقطع.
قوله : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) هما مصدران ، الأول مؤكّد لنفسه ؛ كأنه قال وعد وعدا ، وهو قوله : «سندخلهم» و «حقّا» : مصدر مؤكّد لغيره ، وهو قوله : (وَعْدَ اللهِ) أي : حقّ ذلك حقّا.
قوله : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) وهو توكيد ثالث ، و «قيلا» : نصب على التّمييز ، والقيل ، والقول ، والقال : مصادر بمعنى واحد ؛ ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَقِيلِهِ يا رَبِ) [الزخرف : ٨٨].
وقال ابن السّكّيت : القيل والقال : اسمان لا مصدران ، وفائدة هذه التّوكيدات : معارضة ما ذكره الشّيطان من المواعيد الكاذبة والأماني الباطلة ، والتنبيه على أن وعد الله أولى بالقبول ، وأحقّ بالتّصديق من قول الشّيطان.
وقرأ حمزة (٤) ، والكسائيّ : بإشمام الصّاد ، وكل صاد ساكنة بعدها دال في القرآن.
قوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (١٢٤)
(٥) قرأ (٦) أبو جعفر المدني [ليس](٧) بأمانيكم ولا أمانى بتخفيف الياء فيهما جميعا ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١١٥ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٧٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٨.
(٣) في أ : فلعلمنا.
(٤) تقدمت في الآية ٨٧.
(٥) سقط في ب.
(٦) ينظر : إتحاف ١ / ٥٢٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢١٩ ، والمحرر الوجيز ٢ / ١١٥ ، ونسبها ابن عطية إلى الحسن وشيبة بن نصاح والحكم والأعرج. وينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٧١ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٩.
(٧) سقط في ب.