واعلم : أن «ليس» فعل ، فلا بد من اسم يكون هو مسندا إليه ، وفيه خلاف :
فقيل : يعود ضميرها على ملفوظ به ، وقيل : يعود على ما دلّ عليه اللّفظ من الفعل وقيل: يدلّ عليه سبب الآية.
فأمّا عوده على ملفوظ به فقيل : هو الوعد المتقدّم في قوله : (وَعْدَ اللهِ) وهذا اختيار الزّمخشري ؛ قال : «في ليس ضمير وعد الله أي : ليس ينال ما وعد الله من الثّواب بأمانيّكم ولا بأماني أهل الكتاب ، والخطاب للمسلمين ؛ لأنّه لا يؤمن بوعد الله إلا من آمن به».
وأمّا عوده على ما يدلّ عليه اللّفظ ، فقيل : هو الإيمان المفهوم من قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) وهو قول الحسن ، وعنه : «ليس الإيمان بالتّمنّي».
وأمّا عوده على ما يدلّ عليه السبب ، فقيل : يعود على مجاورة المسلمين مع أهل الكتاب ، وذلك أنّ بعضهم قال : «ديننا قبل دينكم ، ونبيّنا قبل نبيّكم ؛ فنحن أفضل» ، وقال المسلمون : «كتابنا يقضي على كتابكم ، ونبينا خاتم الأنبياء» فنزلت.
وقيل : يعود على الثّواب والعقاب ، أي : ليس الثّواب على الحسنات ، ولا العقاب على السّيّئات بأمانيكم.
وقيل : قالت اليهود (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] ، ونحن أصحاب الجنّة ، وكذلك النّصارى ، وقالت كفّار قريش : لا نبعث ؛ فنزلت ، أي : ليس ما ادّعيتموه يا كفّار قريش بأمانيّكم.
وقرأ الحسن (١) ، وأبو جعفر ، وشيبة بن نصاح ، والحكم ، والأعرج : «أمانيكم» ، «ولا أماني» بالتّخفيف كأنّهم جمعوه على فعالل دون فعاليل ؛ كما قالوا : قرقور وقراقير وقراقر ، والعرب تنقص من فعاليل الياء ، كما تزيدها في فعالل ، نحو قوله :
١٨٨١ ـ ................ |
|
... تنقاد الصّياريف(٢) |
فصل
قال مسروق ، وقتادة ، والضّحّاك : أراد : ليس بأمانيّكم أيها المسلمون ولا أمانيّ أهل الكتاب ، يعني : اليهود والنّصارى ؛ وذلك أنّهم افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبيّنا قبل نبيّكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، فنحن أولى بالله منكم.
وقال المسلمون : نبينا خاتم الأنبياء ، وكتابنا يقضي على الكتب وقد آمنّا بكتابكم ، ولم تؤمنوا بكتابنا ؛ فنحن أولى (٣).
__________________
(١) ينظر : القراءة السابقة.
(٢) تقدم برقم ٧٤٨.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩) عن مسروق وقتادة والضحاك. ـ ـ وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٨) عن مسروق وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر.
وذكره عن قتادة (٢ / ٣٩٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وذكره أيضا عن الضحاك (٢ / ٣٩٩) وزاد نسبته لابن المنذر من طريق جويبر عنه.