وإحياء النّفس : هو تخليصها من المهلكات كالحرق ، والغرق ، والجوع المفرط ، والبرد والحرّ المفرطين.
ثم قال : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ) رسلهم (بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ) ، أي : بعد مجيء الرّسل وبعد ما كتبنا عليهم تحريم القتل ، «لمسرفون» الذي هو خبر «إن» ولا تمنع من ذلك لام الابتداء فاصلة بين العامل ومعموله المتقدّم عليه ؛ لأنّ دخولها على الخبر على خلاف الأصل ؛ إذ الأصل دخولها على المبتدأ ، [وإنّما منع منه دخول «إنّ» و «ذلك» إشارة إلى مجيء الرّسل بالبيّنات](١).
قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣٤)
لما ذكر تغليظ الإثم في قتل النّفس بغير حقّ ولا فساد في الأرض أتبعه ببيان الفساد في الأرض.
وقوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ) : مبتدأ وخبره (أَنْ يُقَتَّلُوا) وما عطف عليه ، أي: إنّما جزاؤهم التّقتيل ، أو التّصليب ، أو النّفي.
وقوله : (يُحارِبُونَ اللهَ) ، أي : يحاربون أولياءه كذا قدّره الجمهور.
وقال الزّمخشريّ (٢) : «يحاربون رسول الله ، ومحاربة المسلمين في حكم محاربته».
يعني : أنّ المقصود أنّهم يحاربون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإنما ذكر اسم الله ـ تبارك وتعالى ـ تعظيما وتفخيما لمن يحارب ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] ، وقد تقدّم تحقيق ذلك عند قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة : ٩].
فإن قيل : المحاربة مع الله ـ عزوجل ـ غير ممكنة ، فيجب حمله على المحاربة مع أولياء الله ، والمحاربة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ممكنة فلفظ (يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يلزم أن يكون محمولا على المجاز والحقيقة معا فلفظ المحاربة بما نسبت إلى الرّسول فلفظ المحاربة إذا نسبت إلى الله تعالى كان مجازا ، لأن المراد منه محاربة أولياء الله ، وإذا نسبت إلى الرّسول كانت حقيقة ، وذلك ممتنع.
فالجواب : إنّما تحمل المحاربة على مخالفة الأمر والتّكليف.
والتقدير : إنّما جزاء الذين يخالفون أحكام الله تعالى وأحكام رسوله ، ويسعون في
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٢٨.