فصل
قال الضّحّاك : نزلت في قوم من أهل الكتاب ، كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد ، فنقضوا العهد وقطعوا السّبيل وأفسدوا (١).
وقال الكلبي : نزلت في قوم هلال بن عويمر ، وذلك أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم واعد هلال بن عويمر وهو أبو بردة الأسلمي ، على ألا يعينه ولا يعين عليه ، ومن مرّ بهلال بن عويمر إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى اله وسلّم ـ فهو آمن لا يهاج ، فمرّ قوم من بني كنانة يريدون الإسلام ، بناس من أسلم من قوم هلال بن عويمر ، ولم يكن هلال شاهدا ، فشدّوا عليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم ، فنزل جبريل بالقصّة (٢).
وقال سعيد بن جبير : نزلت في ناس من عرينة وعكل (٣) أتوا النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ وبايعوه على الإسلام وهم كذبة ، فبعثهم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ إلى إبل الصّدقة فارتدّوا ، وقتلوا الرّاعي واستاقوا الإبل ، فبعث النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ من ردّهم وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم بمسامير وكحلهم بها ، وطرحهم في الحرّ يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٥٤٧) عن الضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٩٤) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٢.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٩.
(٣) وزعم ابن التين تبعا للداودي أن «عرينة» هم عكل ، وهو غلط ، بل هما قبيلتان متغايرتان : عكل من عدنان ، وعرينة من قحطان ، وعكل بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب ، و «عرينة» بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة ، والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي ، وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس ، ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة. وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا ، وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست. وذكرها المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها ، وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها ، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٥٤٨) عن سعيد بن جبير وينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٢ ، ومن طريق أنس أخرجه البخاري ١٢ / ١٠٩ ، في الحدود باب المحاربين من أهل الكفر (٦٨٠٣) ، ومسلم ٣ / ١٢٩٦ كتاب القسامة باب حكم المحاربين (٩ / ١٦٧١).
قال ابن بطال : ذهب البخاري إلى أن آية المحاربة نزلت في أهل الكفر والردة ، وساق حديث العرنيين وليس فيه تصريح بذلك ، ولكن أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة حديث العرنيين وفي آخره قال : «بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية» ووقه مثله في حديث أبي هريرة ، وممن قال ذلك الحسن وعطاء والضحاك والزهري قال : وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد ويقطع الطريق ، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين ، ثم قال : ليس هذا منافيا للقول الأول وإن نزلت في العرنيين بأعيانهم لكن لفظها عام يدخل في معناه كل من فعل مثل فعلهم من المحاربة والفساد. قال ابن حجر بل هما متغايران ، ـ