العبرة بعموم اللّفظ لا خصوص السّبب ، فإن قيل : المحاربون هم الذين يجتمعون ولهم منعة ، ويقصدون المسلمين في أرواحهم (١) ودمائهم ، واتّفقوا على أنّ هذه الصّفة إذا حصلت في الصّحراء كانوا قطّاع الطّريق ، وأما إن حصلت في الأمصار ، فقال الأوزاعيّ ومالك واللّيث بن سعد والشّافعيّ : هم أيضا قطّاع الطّريق ، هذا الحدّ عليهم ، قالوا : وإنّهم في المدن يكونون أعظم ذنبا فلا أقلّ من المساواة ، واحتجّوا بالآية وعمومها ، ولأنّ هذا حدّ فلا يختلف كسائر الحدود [وقال أبو حنيفة ومحمّد : إذا حصل ذلك في المصر لا يقام عليه الحدود](٢) لأنه لا يلحقه الغوث في الغالب فلا يتمكّن من المغالبة ، فصار في حكم السّارق.
فصل
قوله تعالى في الآية (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ). اختلف العلماء (٣) في لفظة «أو» : فقال ابن عبّاس (٤) في رواية الحسن ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد ، والنّخعي : إنّها للتّخيير ، والمعنى : أنّ الإمام مخيّر في المحاربين إن شاء قتل ، وإن شاء صلب ، وإن شاء قطع الأيدي والأرجل ، وإن شاء نفى ، وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ في رواية عطاء (٥) : «أو» هاهنا [ليست](٦) للتّخيير ، بل لبيان الأحكام وترتيبها.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ في قطّاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال : قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال ، قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا ؛ قطعت أيديهم وأرجلهم ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا ؛ قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السّبيل ، ولم يأخذوا مالا ؛ نفوا من الأرض (٧) ، وهذا قول قتادة [والشّافعي ، والأوزاعيّ](٨) ، وأصحاب الرّأي. واختلفوا في كيفيّة القتل والصّلب ، فظاهر مذهب الشّافعيّ : أنه يقتل ثم يصلب ، وقيل : يصلب حيّا ثم يطعن حتى يموت مصلوبا ، وهو قول اللّيث بن سعد (٩) ، وقيل : يصلب ثلاثة أيّام ، ثم ينزل ثم يقتل ، وإذا قتل يقتل حتما ، لا يسقط بعفو وليّ الدّم.
واختلف في النّفي : فقال سعيد بن جبير ، وعمر بن عبد العزيز : أنّ الإمام يطلبه
__________________
(١) في أ : أزواجهم وفي.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٧٠.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٣ ، والرازي ١١ / ١٧٠.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٣.
(٦) سقط في أ.
(٧) أخرجه الشافعي في «مسنده» (١٥٣١) والبيهقي (٨ / ٢٨٣) عن ابن عباس موقوفا.
(٨) في ب : والأوزاعي والشافعي وأحمد.
(٩) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٣.