الثاني : أنّه مرفوع بالابتداء ، والخبر قوله : «فإن (اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والعائد محذوف ، أي : غفور له ؛ ذكر هذا الثّاني أبو البقاء (١). وحينئذ يكون استثناء منقطعا بمعنى : لكن التّائب يغفر له.
فصل
من ذهب إلى أنّ الآية نزلت في الكفار قال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) : من شركهم ، وأسلموا قبل أن تقدروا عليهم فلا سبيل عليهم بشيء من الحدود ولا تبعة عليهم فيما أصابوا في حال الكفر من دم أو مال.
أما المسلمون المحاربون : فمن (٢) تاب منهم قبل القدرة عليه ، وهو قبل أن يظفر بهم الإمام تسقط عنه كل عقوبة وجبت حقا لله تعالى ، ولا يسقط ما كان من حقوق العباد ، فإذا كان قد قتل في قطع الطّريق يسقط عنه بالتّوبة [قبل القدرة عليه](٣) تحتّم القتل ، ويبقى عليه القصاص لولي القتيل إن شاء عفا عنه ، وإن شاء استوفاه ، وإن كان قد أخذ المال يسقط عنه القطع ، وإن كان جمع بينهما يسقط عنه تحتّم القتل والصّلب ، ويجب ضمان المال.
وقال بعضهم : إذا جاء تائبا قبل القدرة [عليه لا يكون لأحد عليه تبعة في دم ولا مال إلّا أن يوجد معه مال بعينه فيردّه إلى صاحبه.
روي عن علي رضي الله عنه في حارثة بن زيد كان خرج محاربا فسفك الدماء ، وأخذ الأموال ثم جاء تائبا قبل أن يقدر عليه فلم يجعل له عليه تبعة. أما من تاب بعد القدرة](٤) فلا يسقط عنه شيء منها.
وقيل : كلّ عقوبة تجب حقا لله ـ تعالى ـ من عقوبات قطع الطّريق ، وقطع السّرقة ، وحدّ الزنا ، والشّرب تسقط بالتّوبة بكل حال كما تقدّم والأكثرون على أنّها لا تسقط.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٣٥)
(٥) في كيفيّة النّظم وجهان :
أحدهما : أنّه لما أخبر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن قوما من اليهود همّوا أن يبسطوا أيديهم إلى الرّسول وإلى أصحابه بالغدر والمكر ، ومنعهم الله تعالى من مرادهم ، وشرح للرّسول شدّة تعصّبهم على الأنبياء وإصرارهم على إيذائهم ، وامتدّ الكلام إلى هذا الموضع ، فعند هذا
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٤.
(٢) في أ : لمن.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.