رجع إلى المقصود الأوّل وقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ)(١) ، كأنه قيل : قد عرفتم كمال جسارة اليهود على المعاصي والذّنوب ، وبعدهم عن الطّاعات الّتي هي الوسائل للعبد إلى الرّبّ ، فكونوا يا أيّها المؤمنون بالضّدّ من ذلك فاتّقوا معاصي الله ، وتوسّلوا إليه بالطّاعات.
والثاني : أنهم لما قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
أي : أبناء أنبياء الله فكان افتخارهم بأعمال آبائهم كأنّه (٢) تعالى قال : «يا أيها الذين آمنوا [اتقوا الله](٣) ولتكن مفاخرتكم بأعما لكم لا بشرف آبائكم وأسلافكم ، فاتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة».
في قوله تعالى : «إليه» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلّق بالفعل قبله.
الثاني : أنه متعلّق بنفس «الوسيلة».
قال أبو البقاء (٤) : لأنّها بمعنى المتوسّل به ، فلذلك عملت فيما قبلها.
يعني : أنّها ليست بمصدر ، حتى يمتنع أن يتقدّم معمولها عليها.
الثالث : أنه متعلّق بمحذوف على أنّه حال من «الوسيلة» ، وليس بالقوي.
و «الوسيلة» أي : القربة ، فعيلة من توسّل إليه فلان بكذا إذا تقرّب إليه ، وجمعها : وسائل.
قال لبيد : [الطويل]
١٩٥٩ ـ أرى النّاس لا يدرون ما قدر أمرهم |
|
ألا كلّ ذي لبّ إلى الله واسل (٥) |
أي : متوسّل ، فالوسيلة هي التي يتوسّل بها إلى المقصود.
فصل
قال ابن الخطيب (٦) : التّكليف نوعان : ترك المنهيّات : وهو قوله تعالى (اتَّقُوا اللهَ) ، وفعل الطّاعات : وهو قوله (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) ، والتّرك مقدّم على الفعل بالذّات ؛ لأنه بقاء على العدم [الأصلي](٧) ، والفعل إيجاد وتحصيل ، والعدم سابق ، ولذلك قدّمت التّقوى فإن قيل : لم اختصّت الوسيلة بالفعل ، مع أنّ ترك المعاصي قد يكون وسيلة؟
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : فقال.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٥.
(٥) ينظر البيت في ديوانه (٢٥٦) ، وينظر : الكشاف ١ / ٦٢٨.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٧٣.
(٧) سقط في أ.