الثالث : أنّه منصوب على الحال ، وهذه الحال يحتمل أن تكون من الفاعل ، أي : مجازين لهما بالقطع بسبب كسبهما ، وأن تكون من المضاف إليه في «أيديهما» ، أي : في حال كونهما مجازين ، وجاز مجيء الحال من المضاف إليه ، لأنّ المضاف جزؤه ، كقوله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر : ٤٧].
الرابع : أنّه [مفعول] من أجله ، أي : لأجل الجزاء ، وشروط النصب موجودة.
و «نكالا» منصوب كما نصب «جزاء» ولم يذكر الزمخشريّ فيهما غير المفعول من أجله.
قال أبو حيان (١) : «تبع في ذلك الزّجّاج» (٢) ، ثم قال : «وليس بجيّد إلّا إذا كان الجزاء هو النّكال ، فيكون ذلك على طريق البدل ، وأمّا إذا كانا متباينين ، فلا يجوز ذلك إلا بوساطة حرف العطف».
قال شهاب الدّين : النّكال : نوع من الجزاء فهو بدل منه ، على أنّ الذي ينبغي أن يقال هنا إنّ «جزاء» مفعول من أجله ، العامل فيه «فاقطعوا» ، فالجزاء علة للأمر بالقطع ، و «نكالا» مفعول من أجله أيضا العامل فيه «جزاء» ، والنّكال علّة للجزاء ، فتكون العلة معلّلة بشيء آخر ، فتكون كالحال المتداخلة ، كما تقول : «ضربته تأديبا له إحسانا إليه» ، فالتأديب علّة للضرب ، والإحسان علة للتأديب ، وكلام الزمخشريّ والزّجاج لا ينافي (٣) ما ذكرنا فإنّه لا منافاة بين هذا وبين قولهما : «جزاء» مفعول من أجله ، وكذلك «نكالا» فتأمّله ، فإنه وجه حسن ، فطاح الاعتراض على الزمخشري والزّجّاج ، والتفصيل المذكور في قوله : «إلا إذا كان الجزاء هو النّكال» ، ثم ظفرت بعد ذلك بأنه يجوز في المفعول له أن ينصب مفعولا له آخر يكون علّة فيه ، وذلك أنّ المعربين أجازوا في قوله تعالى : (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً) [البقرة : ٩٠] أن يكون «بغيا» مفعولا له ، ثم ذكروا في قوله : (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ) أنه مفعول له ناصبه «بغيا» ، فهو علة له ، صرّحوا بذلك فظهر ما قلت ولله الحمد.
و «بما» متعلق ب «جزاء» ، و «ما» يجوز أن تكون مصدرية ، أي : بكسبهما ، وأن تكون بمعنى «الذي» ، والعائد محذوف لاستكمال الشروط أي : بالذي كسباه ، والباء سببيّة.
فصل
قال بعض الأصوليّين (٤) : هذه الآية مجملة من وجوه :
أحدها : أنّ الحكم معلّق على السرقة ، ومطلق السرقة غير موجب القطع ، بل لا بد
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٩٥.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ١٩٠.
(٣) في ب : لا يبالي.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٧٦ ـ ١٧٧.