فقوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) جمع كلمة ، وذكر الكناية ردّا على لفظها الكلم (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي : وضعوا الجلد مكان الرجم.
وقيل : سبب نزول هذه الآية : أنّ بني النضير كان لهم فضل على بني قريظة ، فقال بنو قريظة : يا محمد إخواننا بنو النضير وأبونا واحد وديننا واحد ونبينا واحد ، وإذا قتلوا منّا قتيلا لم يقيدونا ، وأعطونا ديته سبعين وسقا من تمر. وإذا قتلنا منهم قتلوا القاتل ، وأخذوا منّا الضّعف مائة وأربعين وسقا من تمر. وإن كان القتيل امرأة قتلوا بها الرجل منّا ، وبالرجل منهم الرجلين منّا ، وبالعبد حرا منّا ، وجراحاتهم على الضّعف من جراحاتنا. فاقض بيننا وبينهم ، فأنزل الله هذه الآية ، والأول أصح لأنّ الآية في الرّجم.
فصل
قال القرطبي (١) : الجمهور على ردّ شهادة الذّمّيّ ؛ لأنّه ليس من أهلها فلا تقبل على مسلم ، ولا على كافر وقبل شهادتهم جماعة من الناس إذا لم يوجد مسلم ، على ما يأتي في آخر السورة (٢).
فإن قيل : قد حكم بشهادتهم ورجم الزّانيين.
فالجواب : أنّه إنّما تقدم عليهم بما علم أنّه حكم التّوراة ، وألزمهم العمل به على نحو ما عملت به بنو إسرائيل ؛ إلزاما للحجة عليهم ، وإظهارا لتحريفهم وتغييرهم ، فكان منفذا لا حاكما.
قوله تعالى : (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) أي : إن أمركم بحدّ الجلد فاقبلوا ، وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) «من» مفعول مقدم ، وهي شرطية.
وقوله : (فَلَنْ تَمْلِكَ) جوابه ، و «الفاء» أيضا واجبة لما تقدم.
و «شيئا» مفعول به ، أو مصدر ، و (مِنَ اللهِ) متعلق ب «تملك».
وقيل : هو حال من «شيئا» ؛ لأنّه صفته في الأصل.
فصل
قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) أي : كفره وضلاله ، وقال الضحاك : هلاكه (٣).
وقال قتادة : عذابه (٤).
ولمّا كان لفظ الفتنة محتمل لجميع أنواع المفاسد ، وكان هذا اللفظ مذكورا عقيب أنواع كفرهم التي شرحها الله تعالى وجب أن يكون المراد من هذه الفتنة تلك الكفريات
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١١٧.
(٢) في ب : البقرة.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١١ / ١٨٤.
(٤) انظر المصدر السابق.