إليهم في الدّنيا ؛ فوجب القول بوصول ذلك الجزاء [إليهم](١) في الآخرة.
فصل في شبهة المعتزلة وردّها
قالت المعتزلة : دلت [هذه](٢) الآية على أنّ العبد فاعل ، وعلى أنّه بعمل السّوء يستحقّ الجزاء ، وإذا كان كذلك ، دلّت على أنّ الله غير خالق لأفعال العباد من وجهين :
أحدهما : أنه لما كان عملا للعبد ، امتنع كونه عملا لله ؛ لامتناع حصول مقدور واحد بقادرين.
والثاني : أنه لو حصل بخلق الله ، لما استحقّ العبد جزاء ألبتّة ، وذلك باطل ؛ لأن الآية دلّت على أن العبد يستحقّ الجزاء على عمله ، وقد تقدّم الجواب عن هذا الاستدلال.
قوله : (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) قرأ الجمهور بجزم «يجد» ، عطفا على جواب الشرط ، وروي عن ابن عامر (٣) رفعه ، وهو على القطع عن النسق. ثم يحتمل أن يكون مستأنفا وأن يكون حالا ، كذا قيل ، وفيه نظر من حيث إنّ المضارع المنفي ب «لا» لا يقترن بالواو إذا وقع حالا.
فصل في شبهة المعتزلة بنفي الشفاعة وردها
قالت المعتزلة : [دلت](٤) الآية على نفي الشّفاعة ، وأجابوا (٥) بوجهين :
أحدهما : أنا بيّنا (٦) أن هذه الآية في حقّ الكفّار.
والثّاني : أن شفاعة الأنبياء والملائكة في حقّ العصاة ، إنّما تكون بإذن الله ـ تعالى ـ ، وإذا كان كذلك ، فلا وليّ لأحد ولا نصير ، إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ.
قوله : (وَمَنْ يَعْمَلْمِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ) «من» الأولى : للتّبعيض ؛ لأنّ المكلّف لا يطيق عمل كل الصّالحات.
وقال الطّبري : «هي زائدة عند قوم» وفيه ضعف ، لعدم الشّرطين ، و «من» الثانية للتبيين ، وأجاز أبو البقاء (٧) أن تكون حالا ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : أنه الضّمير المرفوع ب «يعمل».
والثاني : أنه الصّالحات ، أي : الصالحات كائنة من ذكر أو أنثى ، وقد تقدّم إيضاح هذا في قوله : (لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) [آل عمران : ١٩٥] والكلام على
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١١٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٧٢ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٩.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : وأجيبوا.
(٦) في ب : أثبتنا.
(٧) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٥.