اليهود ، وهذا يقتضي كون الربانيّين أعلى حالا من الأحبار ، فيشبه أن يكون الربانيّون كالمجتهدين والأحبار كآحاد العلماء.
قوله : (لِلَّذِينَ هادُوا) في هذه «اللّام» ثلاثة أقوال :
أظهرها : أنّها متعلّقة ب «يحكم» ، فعلى هذا معناها الاختصاص ، وتشمل من يحكم له ، ومن يحكم عليه ، ولهذا ادّعى بعضهم أنّ في الكلام حذفا تقديره : «يحكم بها النبيون للذين هادوا وعليهم» ذكره ابن عطيّة (١) وغيره.
والثاني : أنها متعلقة ب «أنزلنا» ، أي : أنزلنا التوراة للّذين هادوا يحكم بها النّبيّون.
والثالث : أنها متعلقة بنفس «هدى» أي : هدى ونور للذين هادوا ، وهذا فيه الفصل بين المصدر ومعموله ، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون (لِلَّذِينَ هادُوا) صفة ل (هُدىً وَنُورٌ) ، أي : هدى ونور كائن للذين هادوا وأوّل هذه الأقوال هو المقصود.
قوله تعالى : (وَالرَّبَّانِيُّونَ) عطف على «النبيّون» أي : [إنّ الرّبّانيّين وقد تقدم تفسيرهم في آل عمران] يحكمون أيضا بمقتضى ما في التّوراة.
قال أبو البقاء (٢) : «وقيل : الرّبّانيون «مرفوع» بفعل محذوف ، أي : ويحكم الربانيون والأحبار بما استحفظوا» انتهى.
يعني أنّه لما اختلف متعلّق الحكم غاير بين الفعلين أيضا ، فإن النبيين يحكمون بالتوراة ، والأحبار والربانيون يحكمون بما استحفظهم الله تعالى ، وهذا بعيد عن الصّواب ؛ لأنّ الذي استحفظهم هو مقتضى ما في التّوراة ، فالنبيّون والربانيّون حاكمون بشيء واحد ، على أنّه سيأتي أنّ الضّمير في «استحفظوا» عائد على النّبيين فمن بعدهم.
قال ابن عبّاس وغيره : الربانيون يرشدون الناس بالعلم ، ويربونهم للصغار قبل كبار (٣).
وقال أبو رزين (٤) : الرّبّانيّون العلماء ، والحكماء (٥) ، وأمّا الأحبار : فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : هم الفقهاء (٦) والحبر والحبر بالفتح والكسر : الرجل العالم ، مأخوذ من التّحبير ، والتّحبر ؛ فهم يحبّرون العلم ويزيّنونه ، فهو محبّر في صدورهم.
قال الجوهريّ (٧) : والحبر والحبر واحد أحبار اليهود ، وهو بالكسر أفصح ؛ لأنّه يجمع على أفعال دون الفعول.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٩٥.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٦.
(٣) ذكره القرطبي في تفسيره ٦ / ١٢٣.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٢٣.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٢ / ٤). وأخرجه الطبري (٤ / ٥٩٠) عن الضحاك بمعناه.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٢٣ ، الصحاح (٢ / ٦٢٠)