قالوا : وليست مشركة للجملة مع ما قبلها لا في اللفظ ولا في المعنى.
وعبّر الزمخشري عن هذا الوجه بالاستئناف قال : «أو» للاستئناف ، والمعنى : فرضنا عليهم أن النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها ، إذا قتلها بغير حقّ ، وكذلك العين مفقودة بالعين ، والأنف مجدوع بالأنف ، والأذن مصلومة أو مقطوعة بالأذن والسّنّ مقلوعة بالسن ، والجروح قصاص وهو المقاصّة ، وتقديره : أن النفس مأخوذة بالنفس ، سبقه إليه الفارسي ، إلا أنه قدر ذلك في جميع المجرورات ، أي : والعين مأخوذة بالعين إلى آخره ، والذي قدّره الزمخشري مناسب جدا ، فإنه قدر متعلّق كل مجرور بما يناسبه ، فالفقء (١) للعين ، والقلع للسن ، والصّلم للأذن ، والجدع للأنف ، إلا أن أبا حيّان [كأنه](٢) غضّ منه حيث قدّر الخبر الذي تعلّق به المجرور كونا مقيدا ، والقاعدة في ذلك إنما يقدّر كونا مطلقا.
قال : «وقال الحوفي : «بالنفس» يتعلّق بفعل محذوف تقديره : يجب أو يستقر ، وكذا العين بالعين وما بعدها ، فقدّر الكون المطلق ، والمعنى : يستقر قتلها بقتل النفس» ، إلا أنه قال قبل ذلك : «ينبغي أن يحمل قول الزمخشري على تفسير المعنى لا تفسير الإعراب» ثم قال : فقدّر ـ يعني : الزمخشري ـ ما يقرب من الكون المطلق ، وهو : «مأخوذ» ، فإذا قلت : «بعت الشياه شاة بدرهم» ، فالمعنى : مأخوذة بدرهم ، وكذلك الحر بالحر أي : مأخوذ.
والوجه الثاني من توجيه الفارسيّ : أن تكون «الواو» عاطفة جملة اسمية على الجملة من قوله : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ). [لكن من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، فإن معنى (كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) قلنا لهم : إن النفس بالنفس](٣) فالجمل مندرجة تحت الكتب من حيث المعنى لا من حيث اللفظ.
وقال ابن عطية (٤) : «ويحتمل أن تكون «الواو» عاطفة على المعنى» وذكر ما تقدم ، ثم قال : ومثله لما كان المعنى في قوله تعالى : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) [الصافات : ٤٥] يمنحون (٥) عطف «وحورا عينا» عليه ، فنظّر هذه الآية بتلك لاشتراكهما في النظر إلى المعنى ، دون اللفظ وهو حسن.
قال أبو حيان (٦) : وهذا من العطف على التوهم ؛ إذ توهم في قوله : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) : النفس بالنفس ، وضعّفه بأن العطف على التوهم لا ينقاس.
والزمخشري نحا إلى هذا المعنى ، ولكنه عبّر بعبارة أخرى فقال : [الرفع للعطف](٧)
__________________
(١) ي ب : فالفقأة.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٩٧.
(٥) في ب : يمحون.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥٠٦.
(٧) سقط في أ.