والثاني : أنها «أن» المفسرة ؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القول لا حروفه وهو «كتبنا» ، والتقدير : أي النفس بالنفس ، ورجّح هذا على الأول بأنه يلزم من الأول وقوع المخففة بعد غير العلم ، وهو قليل أو ممنوع ، وقد يقال : إن «كتبنا» لمّا كان بمعنى «قضينا» قرب من أفعال اليقين.
وأما قراءة نافع ومن معه فالنّصب على اسم «أنّ» لفظا ، وهي النفس ، والجار بعده خبره.
و «قصاص» خبر «الجروح» ، أي : وأن الجروح قصاص ، وهذا من عطف الجمل ، عطفت الاسم على الاسم ، والخبر على الخبر ، كقولك «إنّ زيدا قائم وعمرا منطلق» عطفت «عمرا» على «زيدا» ، و «منطلق» على «قائم» ، ويكون الكتب شاملا للجميع ، إلّا أنّ في كلام ابن عطية ما يقتضي أن يكون «قصاص» خبرا على المنصوبات أجمع ، فإنه قال : وقرأ نافع وحمزة وعاصم (١) بنصب ذلك كلّه ، و «قصاص» خبر «أنّ» ، وهذا وإن كان يصدق أن أخذ النفس بالنفس والعين بالعين قصاص ، إلا أنه صار هنا بقرينة المقابلة مختصا بالجروح ، وهو محل نظر.
وأما قراءة أبي عمرو ومن معه ، فالمنصوب كما تقدم في قراءة نافع ، لكنهم لم ينصبوا «الجروح» قطعا له عما قبله ، وفيه أربعة أوجه : الثلاثة المذكورة في توجيه قراءة الكسائي ، وقد تقدم إيضاحه.
والرابع : أنه مبتدأ وخبره «قصاص» ، يعني : أنه ابتداء تشريع ، وتعريف حكم جديد.
قال أبو علي : «فأمّا (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [فمن رفعه يقطعه عما قبله ، فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قراءة من رفع (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) ، ويجوز أن يستأنف (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)](٢) ليس على أنه مما كتب عليهم في التوراة ، ولكنه على الاستئناف ، وابتداء تشريع» انتهى.
إلا أن أبا شامة قال ـ قبل أن يحكي عن الفارسي هذا الكلام ـ : «ولا يستقيم في رفع الجروح الوجه الثالث ، وهو أنه عطف على الضمير الذي في خبر «النفس» وإن جاز فيما قبلها ، وسببه استقامة المعنى في قولك : مأخوذة هي بالنفس ، والعين هي مأخوذة بالعين ، ولا يستقيم ، والجروح مأخوذة قصاص ، وهذا معنى قولي (٣) : لما خلا قوله : (الْجُرُوحَ قِصاصٌ) عن «الباء» في الخبر خالف الأسماء التي قبلها ، فخولف بينهما في الإعراب».
قال شهاب الدين (٤) : وهذا الذي قاله واضح ، ولم يتنبه له كثير من المعربين.
__________________
(١) تقدمت.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : قولنا.
(٤) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٣٢.