استعانة بطبيعة (١) ؛ بل كانت دعوته إلى الله ـ تعالى ـ كما قال : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام : ٧٨] ودعوة محمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ كانت قريبة من شرع إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في الختان ، وفي الأعمال المتعلّقة بالكعبة ؛ كالصّلاة إليها ، والطّواف [والسّعي](٢) والرّمي ، والوقوف ، والحلق ، والكلمات العشر المذكورة في قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [البقرة : ١٢٤].
وإذا ثبت أنّ شرع محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان قريبا من شرع إبراهيم [ثم إنّ شرع إبراهيم](٣) مقبول عند الكلّ لأن العرب لا يفتخرون بشيء كافتخارهم بالانتساب إلى إبراهيم ـ [عليه الصلاة والسلام](٤) ـ ، وأما اليهود والنّصارى فلا شكّ في كونهم مفتخرين به ، وإذا ثبت هذا ، لزم أن يكون شرع محمّد ـ [صلىاللهعليهوسلم](٥) ـ مقبولا عند الكلّ.
قوله : (مِمَّنْ أَسْلَمَ) : متعلّق ب «أحسن» فهي «من» الجارّة للمفضول ، و «لله» متعلّق ب «أسلم» ، وأجاز أبو البقاء (٦) أن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال من «وجهه» وفيه نظر لا يخفى ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ، حال من فاعل «أسلم».
ومعنى «أسلم وجهه لله» : أخلص عمله لله ، وقيل : فوض أمره إلى الله ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي : موحّد. و «اتّبع» يجوز أن يكون عطفا على «أسلم» وهو الظّاهر ، وأن يكون حالا ثانية من فاعل «أسلم» بإضمار «قد» عند من يشترط ذلك ، وقد تقدّم الكلام على «حنيفا» في البقرة ، إلا أنّه يجوز هنا أن يكون حالا من فاعل «اتبع».
فصل
(مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) دين إبراهيم ، «حنيفا» أي : مسلما مخلصا (٧).
فإن قيل ظاهر هذه الآية يقتضي أنّ شرع محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ نفس شرع إبراهيم ، وعلى هذا لم يكن لمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ شريعة مستقلّة ، وأنتم لا تقولون بذلك.
فالجواب : أن شريعة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ تشبه أكثر شريعة إبراهيم.
قال ابن عبّاس (٨) : ومن دين إبراهيم : الصّلاة إلى الكعبة ، والطّواف بها ، ومناسك الحجّ ، وإنما خصّ بها إبراهيم ـ [عليه والصلاة والسلام](٩) ـ ؛ لأنه كان مقبولا عند جميع الأمم ، وقيل : إنّه بعث على ملّة إبراهيم ، وزيدت له أشياء.
__________________
(١) في ب : بطبعه.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٥.
(٧) في ب : خالصا.
(٨) تقدم.
(٩) سقط في أ.