ثم قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، فقوله ـ سبحانه وتعالى ـ «حكما» نصب على التّمييز ، و «اللّام» في قوله تعالى : (لِقَوْمٍ) فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يتعلّق بنفس «حكما» ؛ إذ المعنى : أنّ حكم الله للمؤمن على الكافر.
والثاني : أنّها للبيان فتتعلّق بمحذوف ، كهي في «سقيا لك» و «هيت لك» ، وهو رأي الزّمخشري ، وابن عطيّة قال شيئا قريبا منه ، وهو أنّ المعنى : «يبيّن ذلك ويظهره لقوم».
الثالث : أنّها بمعنى «عند» ، أي : عند [قوم] ، وهذا ليس بشيء. ومتعلّق «يوقنون» يجوز أن يراد ، وتقديره : يوقنون بالله وبحكمه ، أو بالقرآن ، ويجوز ألّا يراد على معنى [وقوع الإيقان](١) ، وإليه ميل الزّجّاج ، فإنّه قال : «يوقنون» : «يتبيّنون عدل الله في حكمه» فإنّهم [هم الذين](٢) يعرفون أنّه لا أحد أعدل من الله حكما ، ولا أحسن منه بيانا.
فصل
قال القرطبيّ (٣) : روى سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن طاووس قال : كان إذا سألوه عن الرّجل يفضّل بعض ولده على بعض يقرأ هذه الآية (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) ، فكان طاووس يقول : ليس لأحد أن يفضّل بعض ولده على بعض ، فإن فعل لا ينفذ ويفسخ ، وبه قال أهل الظّاهر ، وهو مرويّ عن أحمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ ، وكرهه الثّوري ، وابن المبارك وإسحاق فإن فعل ذلك أحد نفّذ ولم يردّ ، وأجاز ذلك مالك والثّوري واللّيث والشّافعي وأصحاب الرّأي ، واستدلّوا بفعل الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ في نخلة عائشة دون سائر ولده ، واستدلّ الأوّلون بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لبشير : [«ألك ولد سوى هذا»؟ قال : نعم ، فقال «أكلّهم وهبت له مثل هذا» ، فقال : لا ، قال](٤) «فلا تشهدني إذن فإنّي لا أشهد على جور» ، وفي رواية «إنّي لا أشهد إلّا على حقّ».
قالوا : وما كان جورا وغير حقّ فهو باطل لا يجوز ، وقوله : «أشهد على هذا غيري» ليس إذنا في الشّهادة ، وإنّما هو زجر عنها ؛ لأنّه ـ عليهالسلام ـ قد سمّاها [جورا](٥) وامتنع من الشّهادة فيه ، فلا يمكن أن يشهد أحد من المسلمين ، وأمّا فعل أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ فلا يعارض به قول النّبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ ولعلّه كان [قد](٦) نحل أولاده كلّهم مثل ذلك.
__________________
(١) في ب : قوة الإيمان.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٣٩.
(٤) في أ : بعثت هذا بولدك قالا : لا مال.
(٥) في أ : زجر.
(٦) سقط في أ.