الثالث : أنها في محل نصب ؛ لأنها من جملة قول المؤمنين ، ويحتمل معنيين كالمعنيين في الاستئناف ، أعني : كونه إخبارا أو دعاء.
الرابع : أنها في محل رفع على أنها خبر المبتدأ ، وهو «هؤلاء» ، وعلى هذا فيحتمل قوله (الَّذِينَ أَقْسَمُوا) وجهين :
أحدهما : أنه صفة لا سم الإشارة ، والخبر : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ).
والثاني : أن «الذين» خبر أول ، و «حبطت» خبر ثان عند من يجيز ذلك ، وجعل الزمخشري (١)(حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) مفهمة للتعجب.
قال : وفيه معنى التعجب كأنه قيل : «ما أحبط أعمالهم ما أخسرهم» ، وأجاز مع كونه تعجبا أن يكون من قول المؤمنين ، فيكون في محل نصب ، وأن يكون من قول الباري ـ تعالى ـ لكنه أول التعجب في حق الله ـ تعالى ـ بأنه تعجيب ، قال : «أو من قول الله ـ عزوجل ـ شهادة لهم بحبوط الأعمال ، وتعجيبا من سوء حالهم» والمعنى : ذهب ما أظهروه من الإيمان ، وبطل كل خير عملوه ؛ لأجل أنهم الآن أظهروا موالاة اليهود والنصارى فأصبحوا خاسرين في الدنيا والآخرة ، [أما في الدنيا فلذهاب ما عملوا ولم يحصل لهم شيء من ثمرته ، وأما في الآخرة](٢) فلاستحقاقهم اللعن والعذاب الدائم ، وقرأ (٣) أبو واقد والجراح «حبطت» بفتح «الباء» ، وهما لغتان ، وقد تقدم ذلك.
وقوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا) وجه التسبب في هذه الفاء ظاهر.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٥٤)
قوله : «من يرتد» «من» شرطية فقط لظهور أثرها.
وقوله تعالى : (فَسَوْفَ) جوابها وهي مبتدأة ، وفي خبرها الخلاف المشهور وبظاهره يتمسّك من لا يشترط عود الضّمير على اسم الشّرط من جملة الجواب ، ومن التزم ذلك قدّر ضميرا محذوفا تقديره : «فسوف يأتي الله بقوم غيرهم» ، ف «هم» في «غيرهم» يعود على«من» على معناها.
وقرأ (٤) ابن عامر ، ونافع : «يرتدد» بدالين.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٤٣.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٠٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٥٢٢ ، والدر المصون ٥٤٦ ، والشواذ ٣٩.
(٤) ينظر : السبعة ٢٤٥ ، والحجة ٣ / ٢٣٢ ، وحجة القراءات ٢٣٠ ، والعنوان ٨٨ ، وشرح شعلة ٣٥٢ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، وإتحاف ١ / ٥٣٨.