والثاني : أنّه مشار به إلى حبّ الله لهم ، وحبّهم له.
والثالث : أنّه مشار به إلى قوله : «أذلّة» ، أي : لين الجانب ، وترك التّرفّع ، وفي هذين تخصيص غير واضح ، وكأنّ الحامل على ذلك من مجيء اسم الإشارة مفردا.
و «ذلك» مبتدأ ، و (فَضْلُ اللهِ) خبره.
و «يؤتيه» يحتمل ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه خبر ثان.
والثاني : أنه مستأنف.
والثالث : أنّه في محلّ نصب على الحال ، كقوله تعالى : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢].
فصل
ومعنى الكلام : أنّ الوصف بالمحبّة ، والذلّة ، والعزّة ، والمجاهدة ، وانتفاء خوف اللّائمة حصل بفضل الله ـ تعالى ـ ، وهذا يدلّ على أنّ طاعات العباد مخلوقة لله تعالى ، والمعتزلة يحملونه على فعل الألطاف وهو بعيد ؛ لأنّ فعل الألطاف عامّ في حقّ الكلّ ، فلا بدّ في التّخصيص من مزيد فائدة.
ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ، قالوا : فالواسع إشارة إلى كمال المقدرة.
والعليم إشارة إلى كمال العلم ، ومن هذا صفته ـ سبحانه وتعالى ـ ، فلا يعجزه أنّه سيجيء بأقوام هذا شأنهم.
قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(٥٥)
لمّا نهى عن موالاة الكفّار في الآيات المتقدّمة بيّن هاهنا من يجب موالاته.
قوله (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) مبتدأ وخبر.
و «رسوله» و «الّذين» عطف على الخبر.
قال الزّمخشري (١) : قد ذكرت جماعة فهلّا قيل : «إنما أولياؤكم»؟
وأجاب أنّ الولاية بطريق الأصالة لله ـ تعالى ـ ثم نظم في سلك إثباتها لرسوله وللمؤمنين ، ولو جيء به جمعا ، فقيل : «إنما أولياؤكم» لم يكن في الكلام أصل وتبع.
قال شهاب الدّين (٢) : ويحتمل وجها آخر ، وهو أن «ولي» بزنة «فعيل» ، و «فعيل» قد نصّ عليه أهل اللّسان أنّه يقع للواحد والاثنين والجماعة تذكيرا وتأنيثا بلفظ واحد ، يقال : «الزّيدون صديق» و «هند صديق» ، وهذا مثله غاية ما فيه أنّه مقدّم في التّركيب ،
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٤٨.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٥١.