للرياسة ، والجاه وأخذ الرشوة ، والتقرب إلى الملوك ، فإنّهم في دينهم فسّاق لا عدول ، فإن الكافر المبتدع قد يكون عادلا في دينه ، وفاسقا في دينه ، ومعلوم أن كلهم ما كانوا كذلك فلهذا خص أكثرهم بهذا الحكم.
الثاني : ذكر أكثرهم لئلّا يظن أن من [آمن منهم داخل في ذلك](١).
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)(٦٠)
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) : قرأ الجمهور ، «أنبّئكم» بتشديد الباء من نبأ ، وقرأ (٢) إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب «أنبئكم» بالتخفيف من أنبأ وهما لغتان فصيحتان والمخاطب في «أنبئكم» فيه قولان :
أحدهما : وهو الذي لا يعرف أهل التفسير غيره ـ أن المراد به أهل الكتاب الذين تقدم ذكرهم.
والثاني : أنه للمؤمنين.
قال ابن عطية (٣) : ومشى المفسرون في هذه الآية على أن الذين أمر أن يقول لهم : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) هم اليهود والكفار ، والمتخذون ديننا هزوا ولعبا. قال ذلك الطبري ، ولم يسند في ذلك [إلى](٤) متقدم شيئا ، والآية تحتمل أن يكون القول للمؤمنين. انتهى.
فعلى كونه ضمير المؤمنين واضح ، وتكون «أفعل» التفضيل أعني «بشرّ» على بابها ؛ إذ يصير التقدير : قل هل أنبئكم يا مؤمنون بشر من حال هؤلاء الفاسقين ، أولئك أسلافهم الذين لعنهم الله ، وتكون الإشارة بذلك إلى حالهم ، كذا قدره ابن عطية ، وإنما قدّره مضافا ، وهو حال ليصح المعنى ، فإن ذلك إشارة للواحد ، ولو جاء من غير حذف مضاف لقيل : بشر من أولئكم بالجمع.
قال الزمخشري (٥) : «ذلك» إشارة إلى المنقوم (٦) ، ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل «من» تقديره : بشرّ من أهل ذلك ، أو دين من لعنه [الله] انتهى.
ويجوز ألّا يقدر مضاف محذوف لا قبل ولا بعد ، وذلك على لغة من يشير للمفرد والمثنى والمجموع تذكيرا وتأنيثا بإشارة الواحد المذكر ، ويكون «ذلك» إشارة إلى الأشخاص المتقدمين الذين هم أهل الكتاب ، كأنه قيل : بشرّ من أولئك ، يعني أن السّلف الذي لهم شرّ من الخلف ، وعلى هذا يجيء قوله : «من لعنه» مفسرا [لنفس «ذلك» وإن
__________________
(١) في أ : أمرهم أمر منهم داخل.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢١٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٥٢٨ ، والدر المصون ٢ / ٥٥٧.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢١١.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : الكشاف ١ / ٦٥١.
(٦) في ب : التقدم.