فصل
قال بعض النّصارى (١) : لما جاز إطلاق اسم الخليل على إنسان معيّن على سبيل الإعزاز والتّشريف فلم لا يجوز إطلاق الابن في حقّ عيسى ـ عليهالسلام ـ على سبيل الإعزاز والتشريف؟
وجوابهم : أن الفرق بينهما : بأن الخليل عبارة عن المحبّة المفرطة ، وذلك لا يقتضي الجنسيّة ، وأما الابن : فإنه يشعر بالجنسيّة ، وجلّ الإله عن مجانسة الممكنات ، ومشابهة المحدثات.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) (١٢٦)
في تعلّق الآية بما قبلها وجوه :
أحدها : [أن المعنى](٢) أن الله لم يتّخذ إبراهيم خليلا لاحتياجه إليه في شيء كخلة الآدميّين ، وكيف (٣) يعقل ذلك ، وله ملك السّموات والأرض ، وإنما اتّخذه خليلا لمحض الكرم.
وثانيها : أنّه ـ تعالى ـ ذكر من أوّل السّورة إلى هذا الموضع أنواعا كثيرة من الأمر والنّهي ، والوعد والوعيد ، وذكر في هذه الآية أنّه إله المحدثات ، وموجد الكائنات ، ومن كان ملكا مطاعا ، وجب على كلّ عاقل أن يخضع لتكاليفه ، وينقاد لأمره.
وثالثها : أنه ـ تعالى ـ لما ذكر الوعد والوعيد ، ولا يمكن الوفاء بهما إلا بأمرين :
أحدهما : القدرة التّامّة [المتعلّقة](٤) بجميع الكائنات والممكنات.
والثاني : [العلم](٥) المتعلّق بجميع الجزئيّات والكلّيات ؛ حتى لا يشتبه عليه المطيع ، والعاصي ، والمحسن والمسيء (٦) ؛ فدلّ على كمال قدرته بقوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، وعلى كمال علمه بقوله : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً).
ورابعها : أنه ـ تعالى ـ لمّا وصف إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأنه خليله ، بين أنّه مع هذه الخلّة عبد له ، وذلك أنّ له ما في السّموات وما في الأرض ، ونظيره قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم : ٩٣] ويجري مجرى قوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء : ١٧٢] يعني : أنّ الملائكة مع كمالهم في صفة القدرة ، والقوّة في صفة العلم والحكمة ، لم
__________________
ـ الحديث (٦٣١٦) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦ كتاب صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه الحديث (١٨١ / ٧٦٣).
(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٤٨.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : فكيف.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : بالسيىء.