والثاني : أنه مجرور ؛ عطفا على (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) أيضا ، إذا قلنا بأنّها في محلّ جرّ بدلا من «بشرّ» ؛ كما تقدّم إيضاحه ، وهذه أوجه واضحة عسرة الاستنباط ، والله أعلم.
ومن قرأ بالواو فرفعه : إمّا على إضمار مبتدأ ، أي : هم عابدو الطّاغوت ، وإمّا نسق على «من» في قوله تعالى : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) كما تقدّم.
فصل
قيل : الطّاغوت العجل ، وقيل : الأحبار ، وكلّ من أطاع أحدا في معصية فقد عبده.
واحتجّوا بهذه الآية على أنّ الكفر بقضاء الله ، قالوا : لأنّ تقدير الآية : وجعل الله منهم من عبد الطّاغوت ، وإنّما يعقل معنى (١) هذا الجعل ، إذا كان هو الذي جعل فيهم تلك العبادة ، إذ لو كانوا هم الجاهلون لكان الله تعالى [ما](٢) جعلهم عبدة الطّاغوت ، بل كانوا هم الذين جعلوا أنفسهم كذلك وذلك خلاف الآية.
قالت المعتزلة (٣) : معناه أنّه تعالى حكم (٤) عليهم بذلك كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا (٥) الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] وقد تقدّم الكلام فيه.
[قوله تعالى : (أُولئِكَ شَرٌّ) مبتدأ وخبر ، و «مكانا» نصب على التمييز ، نسب الشّر للمكان وهو لأهله ، كناية عن نهايتهم في ذلك] كقولهم : فلان طويل النّجاد كثير الرّماد ، وحاصله يرجع إلى الإشارة إلى الشّيء بذكر لوازمه وتوابعه و «شرّ» هنا على بابه من التفضيل ، والمفضّل عليه فيه احتمالان :
أحدهما : أنهم المؤمنون ، فإن قيل : كيف يقال ذلك ، والمؤمنون لا شرّ عندهم ألبتة؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : ـ ما قاله النحاس (٥) ـ أنّ مكانهم في الآخرة شرّ من مكان المؤمنين في الدّنيا ؛ لما يلحقهم فيه من الشّرّ ، يعني : من الهموم الدنيوية ، والحاجة ، والإعسار ، وسماع الأذى ، والهضم من جانبهم ، قال : «وهذا أحسن ما قيل فيه».
والثاني : أنه على سبيل التنازل والتسليم للخصم على زعمه ؛ إلزاما له بالحجّة ، كأنه قيل : شرّ من مكانهم في زعمكم ، فهو قريب من المقابلة في المعنى.
والثاني من الاحتمالين : أنّ المفضّل عليه هم طائفة من الكفار ، أي : أولئك الملعونون المغضوب عليهم المجعول منهم القردة والخنازير العابدون الطّاغوت ـ شرّ مكانا من غيرهم من الكفرة الذين لم يجمعوا بين هذه الخصال الذّميمة.
__________________
(١) في أ : هذا.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ٦ / ٣٢.
(٤) في أ : حكى.
(٥) ينظر : إعراب القرآن ١ / ٥٠٧.