قوله تعالى : (وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) أي : طريق الحقّ.
قال المفسّرون (١) : لمّا نزلت هذه الآية عيّر المسلمون أهل الكتاب ، وقالوا : يا إخوان القردة والخنازير ، فافتضحوا ونكّسوا رؤوسهم (٢) قال الشّاعر : [الرجز]
٢٠٠١ ـ فلعنة الله على اليهود |
|
إنّ اليهود إخوة القرود (٣) |
قوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ)(٦١)
قوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) : الضمير المرفوع لليهود المعاصرين ؛ فحينئذ : لا بدّ من حذف مضاف ، أي : وإذا جاءكم ذريتهم ، أو نسلهم ؛ لأنّ أولئك المجعول منهم القردة والخنازير ، لم يجيئوا ، ويجوز ألّا يقدّر مضاف محذوف ؛ وذلك على أن يكون قوله (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) إلى آخره عبارة عن المخاطبين في قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) ، وأنه ممّا وضع فيه الظاهر موضع المضمر ، وكأنه قيل : أنتم ، كذا قاله أبو حيان (٤) ، وفيه نظر ؛ فإنه لا بدّ من تقدير مضاف في قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ) ، تقديره : وجعل من آبائكم أو أسلافكم ، أو من جنسكم ؛ لأن المعاصرين ليسوا مجعولا منهم بأعيانهم ، فسواء جعله ممّا ذكر أم لا ، لا بدّ من حذف مضاف.
قوله تعالى : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) هذه جملة حالية ، وفي العامل فيها وجهان :
أحدهما ـ وبه بدأ أبو البقاء (٥) ـ : أنه «قالوا» ، أي : قالوا كذا في حال دخولهم كفرة وخروجهم كفرة ، وفيه نظر ؛ إذ المعنى يأباه.
والثاني : أنه «آمنّا» ، وهذا واضح ، أي : قالوا آمنّا في هذه الحال ، و «قد» في (وَقَدْ دَخَلُوا) «وقد خرجوا» لتقريب الماضي من الحال ، وقال الزمخشريّ : «ولمعنى آخر ، وهو : أنّ أمارات النفاق كانت لائحة عليهم ؛ فكان الرسول ـ عليهالسلام ـ متوقّعا لإظهار الله تعالى ـ ما كتموه ، فدخل حرف التوقّع ، وهو متعلّق بقوله (قالُوا آمَنَّا) ، أي : قالوا ذلك وهذه حالهم» ، يعني بقوله : «وهو متعلق» ، أي : والحال ، وقوة كلامه تعطي : أنّ صاحب الحال وعاملها الجملة المحكيّة بالقول ، و «بالكفر» متعلق بمحذوف ؛ لأنه حال من فاعل «دخلوا» ، فهي حال من حال ، أي : دخلوا ملتبسين بالكفر ، أي : ومعهم الكفر ؛ كقولهم : «خرج زيد بثيابه» ، وقراءة من قرأ (٦) : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] ، أي : وفيها الدّهن ؛ ومنه ما أنشد الأصمعيّ : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٢ / ٣٠.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٦ / ١٥٣).
(٣) ينظر : القرطبي ٦ / ١٥٣.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥٣١.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢١.
(٦) ستأتي في المؤمنون آية ٢٠.