أنّهم لو تركوا ذلك الكفر لانقلب [الأمر](١) وحصل الخصب والسّعة.
قوله تعالى : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ).
قيل : المراد منه المبالغة في شرح السّعة والخصب ، والمعنى : لأكلوا أكلا متّصلا كثيرا ، كما يقال : «فلان في الخير من فوقه إلى قدمه» يريد كثرة الخير عنده ؛ قاله الفرّاء (٢).
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : المراد (مِنْ فَوْقِهِمْ) نزول المطر ، و (مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) خروج النّبات (٣) كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] ، وقيل : الأكل من فوق كثرة الأشجار المثمرة ، ومن تحت الأرجل الزّروع المغلة ، وقيل : يرزقهم الله تعالى الجنان البالغة الثّمار ما ينزل منها من رؤوس الشّجر ، ويلتقطون ما تساقط على الأرض من تحت أرجلهم ، وهذا إشارة إلى ما جرى على اليهود من بني قريظة وبني النّضير ، من قطع نخيلهم ، وإفساد زروعهم وقوله تعالى : (مِنْهُمْ) خبر مقدّم ، و «أمّة» مبتدأ ، و «مقتصدة» صفتها ، وعلى رأي الأخفش يجوز أن تكون «أمّة» فاعلا بالجار ، وقوله : (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) تنويع في التفصيل ، فأخبر في الجملة الأولى ، بالجارّ والمجرور ، ووصف المبتدأ بالاقتصاد ، ووصف المبتدأ في الجملة الثانية ب «منهم» ، وأخبر عنه بجملة قوله : (ساءَ ما يَعْمَلُونَ) ؛ وذلك لأنّ الطائفة الأولى ممدوحة ، فوصفوا بالاقتصاد ، وأخبر عنهم بأنّهم من جملة أهل الكتاب ؛ فإنّ الوصف ألزم من الخبر ؛ فإنهم إذا أسلموا ، زال عنهم هذا الاسم ، وأما الطائفة الثانية ، فإنهم وصفوا بكونهم من أهل الكتاب ؛ فإنّ الوصف ألزم ، وهم كفّار فهم منهم ، وأخبر عنهم بالجملة الذّمّيّة ، فإنّ الخبر ليس بلازم ، وقد يسلم منهم ناس ، فيزول عنهم الإخبار بذلك.
فصل
المراد بالأمّة المقتصدة : مؤمنو أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام من اليهود والنّجاشيّ من النّصارى ، «مقتصدة» أي : عادلة غير غالية ولا مقصّرة ، والاقتصاد في اللّغة : الاعتدال في العمل من غير غلوّ ولا تقصير.
وقيل : المراد بالأمّة المقتصدة : كفّار أهل الكتاب الذين يكونون عدولا في دينهم ، ولا يكون فيهم عناد شديد ولا غلظة ، كما قال تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٧٥].
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ٤٠.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٦٤٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٢٧) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس