قوله تعالى : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) ، وفيه معنى التعجّب ، كأنّه قيل [كثير](١) منهم ما أسوأ عملهم.
والمراد بهم : الأجلاف المبغضون ، مثل كعب بن الأشرف وأصحابه و «ساء» هذه يجوز فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون تعجبا ؛ كأنه قيل : ما أسوأ عملهم ، ولم يذكر الزمخشريّ (٢) غيره ، ولكن النحاة لمّا ذكروا صيغ التعجّب لم يعدّوا فيها «ساء» ، فإن أراد من جهة المعنى ، لا من جهة التعجّب المبوب له في النحو فقريب.
الثاني : أنها بمعنى «بئس» فتدلّ على الذّمّ ؛ كقوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) [الأعراف : ١٧٧].
وقال البغوي (٣) : بئس ما يعملون ، بئس شيئا عملهم.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : عملوا بالقبيح مع التّكذيب بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ.
وعلى هذين القولين ف «ساء» غير متصرّفة ، لأن التعجّب وباب المدح والذمّ لا تتصرّف أفعالهما.
الثالث : أن تكون «ساء» المتصرّفة ؛ نحو : ساء يسوء ، ومنه : (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) [الإسراء : ٧] (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [تبارك : ٢٧] ، والمتصرّفة متعدية ؛ قال تعالى: (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) فإن قيل فأين مفعول هذه؟ قيل : هو محذوف ، تقديره : ساء عملهم المؤمنين ، والّتي بمعنى «بئس» لا بدّ لها من مميّز ، وهو هنا محذوف ، تقديره : ساء عملا الذي كانوا يعملونه.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٦٧)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية : ناداه المولى سبحانه بأشرف الصّفات البشرية ، وقوله : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [وهو قد بلّغ!!] فأجاب الزمخشريّ (٤) بأن المعنى : جميع ما أنزل إليك ، أي : أيّ شيء أنزل غير مراقب في تبليغه أحدا ، ولا خائف أن ينالك مكروه ، وأجاب ابن عطية (٥) بقريب منه ، قال : «أمر الله رسوله بالتبليغ على الاستيفاء والكمال ؛ لأنه كان قد بلّغ» ، وأجاب غيرهما بأنّ المعنى
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٥٨.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٥١.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٦٥٨.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢١٧.