فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين ما روي أنّه شجّ في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيّته ، وأوذي بضروب من الأذى.
فالجواب من وجوه :
فقيل : يعصمك من القتل ، فلا يصلوا إلى قتلك.
وقيل : نزلت هذه الآية بعد ما شجّ رأسه يوم أحد ؛ لأنّ سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن.
والمراد ب «النّاس» هاهنا : الكفار لقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
وعن أنس رضي الله عنه :
كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ يحرسه سعد وحذيفة حتى نزلت هذه الآية ، فأخرج رأسه من قبّة أديم فقال : «انصرفوا أيّها النّاس فقد عصمني من النّاس» (١).
وقيل : المراد والله يخصّك بالعصمة من بين النّاس ؛ لأنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ معصوم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(٦٨)
لمّا أمره الله بالتّبليغ فقال : قل يا أهل الكتاب من اليهود والنّصارى لستم على شيء من الدّين ، ولا في أيديكم شيء من الحقّ والصّواب ، كما تقول : هذا ليس بشيء ، إذا أردت تحقيره.
وقوله تعالى : (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) ، وقد تقدّم الكلام على نظيره ، والتّكرير للتّأكيد.
وقوله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فيه وجهان :
أحدهما : لا تأسف عليهم بسبب طغيانهم وكفرهم ، فإنّ ضرر ذلك راجع إليهم ، لا إليك ولا إلى المؤمنين.
والثاني : لا تأسف بسبب نزول اللّعن والعذاب عليهم فإنّهم من الكافرين المستحقّين لذلك.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٣٥) رقم (٣٠٤٦) والطبري (٤ / ٦٤٧) عن عائشة.
وقال الترمذي هذا حديث غريب.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٢٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في «الدلائل» وابن مردويه.