للتي عطفت عليها ، فإن قلت : فالتقديم والتأخير لا يكون إلا لفائدة ، فما هي؟ قلت : فائدته التنبيه على أن الصابئين يتاب عليهم ، إن صحّ منهم الإيمان والعمل الصالح ، فما الظنّ بغيرهم؟ وذلك أنّ الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدّهم عتيّا ، وما سمّوا صابئين إلا أنهم صبئوا عن الأديان كلّها ، أي : خرجوا ؛ كما أن الشاعر قدّم قوله : «وأنتم» ؛ تنبيها على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغي من قومه ، حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو «بغاة» ؛ لئلا يدخل قومه في البغي قبلهم مع كونهم أوغل فيه منهم وأثبت قدما ، فإن قلت : فلو قيل : «والصابئين وإياكم» ، لكان التقديم حاصلا ، قلت : لو قيل هكذا لم يكن من التقديم في شيء ؛ لأنه لا إزالة فيه عن موضعه ، وإنما يقال مقدّم ومؤخّر للمزال لا للقارّ في مكانه ، وتجري هذه الجملة مجرى الاعتراض».
الوجه الثاني : أنّ «إنّ» بمعنى «نعم» فهي حرف جواب ، ولا محلّ لها حينئذ ، وعلى هذا فما بعدها مرفوع المحلّ على الابتداء ، وما بعده معطوف عليه بالرفع ، وخبر الجميع قوله : (مَنْ آمَنَ) إلى آخره ، وكونها بمعنى «نعم» قول مرجوح ، قال به بعض النحويّين ، وجعل من ذلك قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] في قراءة (١) من قرأه بالألف ، وفي الآية كلام طويل يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في موضعه ، وجعل منه أيضا قول عبد الله بن الزّبير : «إن وصاحبها» جوابا لمن قال له : «لعن الله ناقة حملتني إليك» ، أي : نعم وصاحبها ، وجعل منه قول الآخر : [الكامل]
٢٠١٢ ـ برز الغواني في الشّبا |
|
ب يلمنني وألومهنّه |
ويقلن شيب قد علا |
|
ك وقد كبرت فقلت إنّه (٢) |
أي : نعم ، والهاء للسكت ، وأجيب : بأنّ الاسم والخبر محذوفان في قول ابن الزّبير ، وبقي المعطوف على الاسم دليلا عليه ، والتقدير : إنّها وصاحبها ملعونان ، وتقدير البيت : إنّه كذلك ، وعلى تقدير أن تكون بمعنى «نعم» ، فلا يصحّ هنا جعلها بمعناها ؛ لأنها لم يتقدّمها شيء تكون جوابا له ، و «نعم» لا تقع ابتداء كلام ، إنما تقع جوابا لسؤال ، فتكون تصديقا له ، ولقائل أن يقول : يجوز أن يكون ثمّ سؤال مقدّر ، وقد ذكروا ذلك في مواضع كثيرة منها قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ) [القيامة : ١] (لا جَرَمَ) [هود : ٢٢] ، قالوا : يحتمل أن يكون ردّا لقائل كيت وكيت.
الوجه الثالث : أن يكون معطوفا على الضّمير المستكنّ في «هادوا» أي : هادوا هم
__________________
(١) ستأتي في «طه» آية ٦٣.
(٢) البيتان لعبيد الله بن قيس الرقيّات ينظر : ديوانه ص ٦٦ ، شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٧٥ ، شرح المغني ١ / ١٢٦ ، لسان العرب «أنن» ، الأزهية ص ٢٥٨ ، الأغاني ٤ / ٢٩٦ ، خزانة الأدب ١١ / ٢١٦ ، ٢١٧ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٦١ ، سمط اللآلى من ٩٣٩ ، الكتاب ٣ / ١٥١ اللمع ص ١٢٦ ، شرح المفصل ٣ / ١٣٠ ، ٨ / ٦ ، ٧٨ ، ١٢٥ الدر المصون ٢ / ٥٧٣.