وقوله : [الطويل]
٢٠٢٨ ـ ولكن ديافيّ أبوه وأمّه |
|
بحوران يعصرن السّليط أقاربه (١) |
واستدلّ بعضهم بقوله ـ عليهالسلام ـ : «يتعاقبون فيكم ملائكة» (٢) ، ويعبّر النحاة عن هذه اللغة بلغ ة «أكلوني البراغيث» ، ولكنّ الأفصح ألّا تلحق الفعل علامة ، وفرّق النحويّون بين لحاقه علامة التأنيث ، وعلامة التثنية والجمع ؛ بأنّ علامة التأنيث ألزم ؛ لأن التأنيث في ذات الفاعل بخلاف التثنية والجمع ؛ فإنه غير لازم.
الوجه الثاني : أنّ الواو ضمير عائد على المذكورين العائد عليهم واو «حسبوا» ، و «كثير» بدل من هذا الضمير ، كقولك : «إخوتك قاموا كبيرهم وصغيرهم» ونحوه. والإبدال كثير في القرآن قال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [السجدة : ٧].
وقال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧].
الوجه الثالث : أن الواو ضمير أيضا ، و «كثير» بدل منه ، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله : أن الضمير في الوجه الأوّل مفسّر بما قبله وهم بنو إسرائيل ، وأمّا في هذا الوجه ، فهو مفسّر بما بعده ، وهذا أحد المواضع التي يفسّر فيها الضمير بما بعده ، وهو أن يبدل منه ما يفسره ، وهي مسألة خلاف ، وقد تقدّم تحريرها.
الوجه الرابع : أن الضمير عائد على من تقدّم ، و «كثير» خبر مبتدأ محذوف ، وقدّره مكي (٣) تقديرين : أحدهما : قال : «تقديره العمي والصّمّ كثير منهم» ، والثاني : العمى والصّمم كثير منهم ؛ ودلّ على ذلك قوله : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) ، فعلى تقديره الأوّل : يكون «كثير» صادقا عليهم و «منهم» صفة ل «كثير» ؛ وعلى التقدير الثاني : يكون «كثير» صادقا على العمى والصّمم لا عليهم ، و «منهم» صفة له بمعنى أنه صادر منهم ، وهذا الثاني غير ظاهر ، وقدّره الزمخشريّ فقال : «أولئك كثير منهم».
الوجه الخامس : أنّ «كثير» مبتدأ والجملة الفعليّة قبله خبر ، ولا يقال : إنّ الفعل متى وقع خبرا ، وجب تأخيره ؛ لأنّ ذلك مشروط بكون الفاعل مستترا ؛ نحو : «زيد قام» ؛
__________________
ـ المسالك ٢ / ١٠٦ الجنى الداني ١٧٥ ، جواهر الأدب ص ١٠٩ ، شرح الأشموني ١ / ١٧٠ ، همع الهوامع ١ / ١٦٠ شرح ابن عقيل ص ٢٣٩ ، مغني اللبيب ٢ / ٣٦٧ ، ٣٧١ ، شذور الذهب ٢٢٧ الدر المصون ٢ / ٥٨٠.
(١) البيت للفرزدق. ينظر : الهمع ١ / ١٦٠ ، ابن الشجري ١ / ١٣٣ ، الخصائص ٢ / ١٩٤ ، ابن يعيش ٧ / ٧ الدرر اللوامع ١ / ١٤٢ ، الدر المصون ٢ / ٥٨١.
(٢) متفق عليه ، من روابه أبي هريرة رضي الله عنه ، أخرجه : البخاري في الصحيح ٢ / ٣٣ ، كتاب مواقيت الصلاة : باب فضل صلاة العصر الحديث (٥٥٥) ومسلم في الصحيح ١ / ٤٣٩ ، كتاب المساجد : باب فضل صلاة الصبح والعصر الحديث (٢١٠ / ٦٣٢).
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٣١.