أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٧٤)
معناه أحد الثلاثة ، ولذلك منع الجمهور أن ينصب ما بعده ، لا تقول : ثالث ثلاثة ، ولا رابع أربعة ؛ قالوا : لأنه اسم فاعل ، ويعمل عمل فعله ، وهنا لا يقع موقعه فعل ؛ إذ لا يقال : ربّعت الأربعة ، ولا ثلّثت الثلاثة ، وأيضا : فإنه أحد الثلاثة ؛ فيلزم أن يعمل في نفسه ، وأجاز النصب بمثل هذا ثعلب ، وردّه عليه الجمهور بما ذكر ، أمّا إذا كان من غير لفظ ما بعده ، فإنه يجوز فيه الوجهان : النصب ، والإضافة ؛ نحو : رابع ثلاثة ، وإن شئت : ثلاثة ، واعلم : أنه يجوز أن يشتقّ من واحد إلى عشرة صيغة اسم فاعل ؛ نحو : «واحد» ، ويجوز قلبه فيقال : حادي وثاني وثالث إلى عاشر ، وحينئذ : يجوز أن يستعمل مفردا ؛ فيقال : ثالث ورابع ؛ كما يقال : ثلاثة وأربعة من غير ذكر مفسّر ، وأن يستعمل استعمال أسماء الفاعلين ؛ إن وقع بعده مغايره لفظا ، ولا يكون إلا ما دونه برتبة واحدة ؛ نحو عاشر تسعة ، وتاسع ثمانية ، فلا يجامع ما دونه برتبتين ؛ نحو : عاشر ثمانية ، ولا ثامن أربعة ، ولا يجامع ما فوقه مطلقا ، فلا يقال : تاسع عشرة ولا رابع ستّة.
إذا تقرّر ذلك فيعطى حكم اسم الفاعل ؛ فلا يعمل إلا بشروطه ، وأمّا إذا جامع موافقا [له لفظا] وجبت إضافته ؛ نحو : ثالث ثلاثة ، وثاني اثنين ، وتقدّم خلاف ثعلب ، ويجوز أن يبنى أيضا من أحد عشر ، إلى تسعة عشر ، فيقال : حادي عشر وثالث عشر ، ويجوز أن يستعمل مفردا ؛ كما ذكرنا ، ويجوز أن يستعمل مجامعا لغيره ، ولا يكون إلا موافقا ، فيقال : حادي عشر أحد عشر ، وثالث عشر ثلاثة عشر ، ولا يقال : ثالث عشر اثني عشر ، وإن كان بعضهم خالف ، وحكم المؤنث كحكمه في الصفات الصريحة ، فيقال : ثالثة ورابعة ، وحادية عشرة ، وثالثة عشرة ثلاث عشرة ، وله أحكام كثيرة مذكورة في كتب النّحو.
فصل في تفسير قول النصارى (ثالِثُ ثَلاثَةٍ)
هذا قول المرقوسيّة : وفيه طريقان :
أحدهما : قول المفسّرين (١) : وهو أنّ النّصارى يقولون : الإلهيّة مشتركة بين الله ومريم وعيسى ، وكلّ واحد من هؤلاء إله.
ويؤكد ذلك قوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦] فقوله : (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) أي : أحد ثلاثة ، وواحد من ثلاثة آلهة ، يدلّ عليه قوله تعالى في الرّدّ عليهم : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ).
قال الواحديّ والبغوي (٢) : من قال : إنّ الله تعالى ثالث ثلاثة ، هو لم يرد ثالث
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٥١.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٢ / ٥١ ، والبغوي ٢ / ٥٤.