فصل في معنى الآية
قال بعض المفسّرين (١) : معنى قوله (غَيْرَ الْحَقِّ) أي : في دينكم المخالف للحقّ ؛ لأنّهم خالفوا الحقّ في دينهم ، ثمّ غلوا فيه بالإصرار عليه.
وقال ابن الخطيب (٢) : معنى الغلّو الباطل : أن تتكلّف الشّبه وإخفاء الدّلائل ، وذلك الغلوّ أنّ اليهود ـ لعنهم الله ـ نسبوا سيّدنا عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى الزّنا وإلى أنّه كذّاب والنّصارى ـ لعنهم الله ـ ادّعوا فيه الإلهيّة.
قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) الآية.
الأهواء : جمع الهوى ، وهو ما تدعو إليه شهوة النّفس.
والمراد هاهنا : المذاهب الّتي تدعو إليها الشّهوة دون الحجّة.
قال الشّعبيّ (٣) : ما ذكر الله بلفظ الهوى في القرآن إلّا ذمّه.
قال تعالى : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [ص : ٢٦] ، (وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) [طه : ١٦] ، (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [النجم : ٣] ، (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان : ٤٣].
قال أبو عبيد (٤) : لم نجد الهوى يوضع إلا في موضع الشّرّ ، لا يقال : فلان يهوى الخير ، إنما يقال : يريد الخير ويحبّه.
وقال بعضهم (٥) : الهوى إله يعبدونه من دون الله.
وقيل : سمّي الهوى هوى ؛ لأنّه يهوي بصاحبه في النّار وأنشدوا في ذمّ الهوى قوله : [الكامل]
٢٠٢٩ ـ إنّ الهوى لهو الهوان بعينه |
|
فإذا هويت فقد لقيت هوانا (٦) |
وقال رجل لابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : الحمد لله الذي جعل هواي على هواك ، فقال ابن عبّاس : «كلّ هوى ضلالة» (٧).
قوله تعالى : (وَأَضَلُّوا كَثِيراً) في نصب «كثيرا» وجهان :
أحدهما : أنه مفعول به ، وعلى هذا أكثر المتأوّلين ؛ فإنهم يفسّرونه بمعنى : وأضلّوا كثيرا منهم أو من المنافقين.
والثاني : أنه منصوب على المصدرية ، أي : نعت لمصدر محذوف ، أي : إضلالا كثيرا ، وعلى هذا ، فالمفعول محذوف ، أي : أضلّوا غيرهم إضلالا كثيرا.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٥٥.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٥٣.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٥٣.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) البيت في الرازي الموضع السابق.
(٧) ذكره الفخر الرازي في «تفسيره» (١٢ / ٥٣) عن ابن عباس.