بالنبيّ [محمد] صلىاللهعليهوسلم والتقدير : ولو كان الكافرون المتولّون مؤمنين بمحمّد والقرآن ، ما اتخذهم هؤلاء اليهود أولياء ، والأول أولى ؛ لأن الحديث عن كثير ، لا عن المتولّين ، وجاء جواب «لو» هنا على الأفصح ، وهو عدم دخول اللام عليه ؛ لكونه منفيّا ؛ ومثله قول الآخر : [البسيط]
٢٠٣٠ ـ لو أنّ بالعلم تعطى ما تعيش به |
|
لما ظفرت من الدّنيا بثفروق (١) |
وقوله تعالى : (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ) هذا الاستدراك واضح بما تقدّم ، وقوله تعالى : (كَثِيراً) هو من إقامة الظاهر مقام المضمر ؛ لأنه عبارة عن (كَثِيراً مِنْهُمْ) المتقدّم ؛ فكأنه قيل : ترى كثيرا منهم ، ولكنّ ذلك الكثير ، ولا يريد : ولكنّ كثيرا من ذلك الكثير فاسقون.
قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(٨٦)
لما ذكر عداوة اليهود للمسلمين ، فلذلك جعلهم قرناء للمشركين في شدّة العداوة ، بل نبّة على أنّهم أشدّ في العداوة من المشركين ، لكونه ـ تعالى ـ قدّم ذكرهم على ذكر المشركين.
وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ما خلا يهوديان بمسلم إلّا همّا بقتله» (٢) ، وذكر تعالى أنّ النّصارى ألين عريكة من اليهود ، وأقرب إلى المسلمين منهم ، والمقصود من بيان هذا التّفاوت تخفيف أمر اليهود على الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ و «اللّام» في قوله : «لتجدنّ» هي لام القسم.
__________________
(١) ينظر : البحر ٣ / ٥٥٠ والدر المصون ٢ / ٥٨٩.
(٢) رواه الثعلبي وابن مردويه وابن حبان في «الضعفاء» عن أبي هريرة مرفوعا وفي رواية ابن حبان يهودي ، وهم بالإفراد ، وأخرجه الديلمي بلفظ : ما خلا قط يهودي بمسلم إلّا حدث نفسه بقتله ، وقد أطال الكلام عليه السخاوي في بعض الحوادث ، فأقول : ويؤيد ذلك ما ذكره شيخنا المرحوم يونس المصري أنه كان يقرأ على يهوديّ يوما في المنطق ، فقال له وقد انفرد به : لا تأتني إلّا ومعك سكين أو نحوها ؛ لأن اليهودي إذا خلا بمسلم ولم يكن معه سلاح ، لزمه التعرض لقتله ، وقال النجم : واشتهر في كلام الناس : أنه ما خلا قط رافضي بسني إلّا حدثته نفسه بقتله ، وهي من الخصال التي شاركت الرافضة فيها اليهود.