وقال سعيد بن المسيّب : «لكلّ مسكين ثوبان» (١).
قوله تعالى : (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) عطف على «إطعام» وهو مصدر مضاف لمفعوله ، والكلام عليه كالكلام على [(إِطْعامُعَشَرَةِ) من جواز تقديره بفعل مبنيّ للفاعل أو للمفعول وما قيل في ذلك ، [وقوله : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ) كقوله في النساء : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ) [النساء : ٩٢]] ، وقد تقدّم ذلك.
فصل
المراد بالرّقبة الجملة.
قيل : الأصل في هذا المجاز ، أنّ الأسير في العرب كان يجمع إلى رقبته بحبل ، فإذا أطلق حلّ ذلك الحبل ، فسمّي الإطلاق من الرّقبة فكّ رقبة ، وأجاز أبو حنيفة والثّوري إعتاق الرّقبة الكافرة في جميعها ، إلّا كفارة القتل ؛ لأنّ الله تعالى قيّد الرّقبة فيها بالإيمان ، قلنا : المطلق يحمل على المقيّد ، كما أنّ الله تعالى قيّد الشّهادة بالعدالة في موضع فقال تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] ، وأطلق في موضع فقال تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) [البقرة : ٢٨٢] ، ثم العدالة مشروطة في جميعها حملا للمطلق على المقيّد ، كذلك هذا.
ولا يجوز إعتاق المرتدّ بالاتّفاق عن الكفّارة ، ويشترط أن يكون سليم الرّقّ ، حتّى لو أعتق عن كفّارته مكاتبا ، أو أمّ ولد ، أو عبدا اشتراه بشرط العتق ، أو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنيّة الكفّارة يعتق ، ولا يجوز عن الكفّارة.
وجوّز أصحاب الرّأي عتق المكاتب إذا لم يكن أدّى شيئا من النّجوم ، وعتق القريب عن الكفّارة.
ويشترط أن تكون الرّقبة سليمة من كلّ عيب يضرّ بالعمل ضررا بيّنا ، حتّى لا يجوز مقطوع إحدى اليدين ، أو إحدى الرّجلين ، ولا الأعمى ، ولا الزّمن ، ولا المجنون المطبق ، ويجوز الأعور ، والأصمّ والمقطوع الأذنين ، والأنف ؛ لأنّ هذه العيوب لا تضرّ بالعمل إضرارا بيّنا وعند أبي حنيفة ـ رضي الله تعالى عنه ـ كلّ عيب يفوّت جنسا من المنفعة يمنع الجواز ، حتّى جوّز مقطوع إحدى اليدين ، ولم يجوّز مقطوع إحدى الأذنين.
فصل
معنى الواجب (٢) المخيّر : هو أنّه لا يجب عليه الإتيان بكلّ واحد من هذه الثلاثة ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٥) عن سعيد بن المسيب بمعناه.
(٢) اعلم أن الوجوب قد يتعلق بشيء معين ؛ كالصلاة ، والحج ، وغير ذلك ، ويسمى : واجبا معينا ، وقد يتعلق بواحد مبهم من أمور معينة ، أي : بأحدها ، ويسمى : واجبا مخيرا ، ثم هذا على قسمين :
فقسم يجوز الجمع بين تلك الأمور ، وتكون أفرادها محصورة ؛ كخصال الكفارة ؛ فإن الوجوب تعلق ـ