إشكالا ، وهو أنّ من حقّ المتنازعين ؛ أن يصلح كلّ منهما للعمل ، وهذا العامل الأول ، وهو العداوة ، لو سلّط على المتنازع فيه ، لزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبيّ وهو المعطوف ، وقد يقال : إنه في بعض صور التنازع يلتزم إعمال الثاني ، وذلك في فعلي التعجّب ، إذا تنازعا معمولا فيه ، وقد تقدّم هذا مشبعا في البقرة.
فصل في مفاسد الأشياء المذكورة في الآية
اعلم أنّه تعالى لمّا أمر باجتناب هذه الأشياء ، ذكر فيها نوعين من المفسدة :
الأول : ما يتعلّق بالدّنيا وهو قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ).
والثاني : المفسدة المتعلّقة بالدّين ، وهو قوله تعالى : (وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ).
فأمّا شرح هذه العداوة [والبغضاء أولا في الخمر ثمّ في الميسر](١) : وأمّا الخمر ، فاعلم : أنّ الظاهر فيمن يشرب الخمر ، أنّه يشربها مع جماعة ، ويكون غرضه الاستئناس برفقائه ، ويفرح بمحادثتهم ، ويكون بذلك الاجتماع تأكيد المحبّة والألفة ، إلّا أنّ ذلك في الأغلب ينقلب إلى الضّدّ ؛ لأنّ الخمر يزيل العقل ، وإذا أزال العقل استولت الشّهوة والغضب من غير مدافعة العقل ، وعند استلائهما تحصل المنازعة بين أولئك الأحباب ، وتلك المنازعة ربّما أدّت إلى الضّرب والقتل ، والمشافهة بالفحش ، وذلك يورث أشدّ العداوة والبغضاء ، كما فعل الأنصاريّ الذي شجّ رأس سعد بن أبي وقّاص بلحي الجمل.
وروي أن قبيلتين من الأنصار شربوا الخمر ، وانتشوا فعبث بعضهم على بعض ، فلما [صحوا رأى بعضهم في وجه] بعض آثار ما فعلوا ، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ، فجعل بعضهم يقول : لو كان أخي بي رحيما ما فعل بي هذا ، فحدثت بينهم الضّغائن ، فالشّيطان يسوّل أنّ الاجتماع على الشّرب يوجب تأكيد الألفة والمحبّة بين الأخوة ، فينقلب الأمر ، وتحصل العداوة والبغضاء.
وأمّا الميسر ، ففيه بإزاء التّوسعة على المحتاجين من الإجحاف بأرباب الأموال ؛ لأنّ من صار مغلوبا في القمار مرّة ، دعاه ذلك إلى اللّجاح فيه ، يرجو بذلك إلى أن يصير غالبا ، وقد يتّفق أنّه لا يحصل له ذلك ، إلى أن لا يبقى له شيء من المال ، وإلى أن يقامر على لحيته وأهله وولده.
قال قتادة : كان الرّجل يقامر على الأهل والمال ، ثم يبقى مسلوب الأهل والمال ، ولا شكّ أنّه يبقى بعد ذلك فقيرا مسكينا ، ويصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين غلبوه ،
__________________
(١) سقط في أ.