[في](١) طرق المدينة ، مع نهي النبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ عن التّخلّي في الطريق.
قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) هذا الاستفهام فيه معنى الأمر ، أي : انتهوا.
روي أنّه لمّا نزل قول الله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] قال عمر بن الخطّاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ : «اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا» فلما نزلت هذه الآية قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : «انتهينا يا ربّ ، انتهينا يا ربّ» ويدلّ على أن المراد منه الأمر أيضا : عطف الأمر الصّريح عليه في قوله «وأطيعوا» ، كأنه قيل : انتهوا عن شرب الخمر ، وعن كذا ، وأطيعوا ، فمجيء هذه الجملة الاستفهامية المصدّرة باسم مخبر عنه باسم فاعل دالّ على ثبوت النهي واستقراره ـ أبلغ من صريح الأمر.
قال ابن الخطيب (٢) : وإنما حسن هذا المجاز ؛ لأنّ الله تعالى ذمّ هذه الأفعال ، وأظهر قبحها للمخاطب ، فلما استفهم بعد ذلك عن تركها ، لم يقدر المخاطب إلّا على الإقرار بالتّرك ، وكأنّه قيل له : أتفعله وقد ظهر من قبحه ما ظهر ؛ فصار (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ؛ جاريا مجرى تنصيص الله تعالى على وجوب الانتهاء ، مقرونا بإقرار المكلّف بوجوب الانتهاء.
واعلم : أنّ هذه الآية دالّة على وجوب تحريم شرب الخمر من وجوه :
أحدها : تصدير الجملة ب «إنّما» وهي للحصر ، فكأنّه قال : لا رجس ولا شيء من أعمال الشّيطان إلّا هذه الأربعة.
وثانيها : أنّه تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأوثان ، ومنه قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «شارب خمر كعابد وثن».
وثالثها : قال : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، جعل الاجتناب من الفلاح ، وإذا كان الاجتناب فلاحا ، كان الارتكاب خيبة.
ورابعها : ما تقدّم من اشتمال الاستفهام على المنفي.
قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٩٢)
وخامسها : قوله تعالى بعد ذلك : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) وظاهر الأمر بالطّاعة ، فيما تقدّم ذكره من أمرهم بالاجتناب عن الخمر والميسر.
وقوله «واحذروا» أي : احذروا عن مخالفتهما في هذا التّكليف.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٦٨.