وسادسها : قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ، وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد في حقّ من خالف في هذا التّكليف ، وأعرض عن حكم الله تعالى ؛ لأنّ معناه إن تولّيتم فالحجّة قد قامت عليكم ، والرّسول قد خرج عن عهدة التّبليغ والإعذار ، فأمّا ما وراء ذلك من عقاب من خالف هذا التّكليف وأعرض ، فذلك إلى الله تعالى ، وهذا تهديد عظيم ، وهذا نصّ صريح في أنّ كلّ مسكر حرام ؛ لاشتماله على ما تشتمل عليه الخمر.
قال ـ عليه الصّلاة والسلام ـ : «كلّ مسكر حرام وإن حتما على الله أن لا يشربه عبد في الدّنيا إلّا سقاه الله يوم القيامة من طينة الخبال ، هل تدرون ما طينة الخبال؟» قلنا : لا. قال : «عرق أهل النّار» ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من شرب الخمر في الدّنيا ، ثمّ لم يتب منها حرمها في الآخرة».
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنّه قال : أشهد أنّي سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ وهو يقول : «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها ، وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها» (١).
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٩٣)
سبب نزول هذه الآية : أنّ الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ أجمعين ، لمّا نزل تحريم الخمر ، قالوا : يا رسول الله كيف بإخواننا الّذين ماتوا وهم يشربون الخمر ، ويأكلون من مال الميسر ؛ فنزلت هذه الآية (٢) ، والمعنى لا إثم عليهم ؛ لأنّهم شربوها حال ما كانت محلّلة ، وهذه الآية مشابهة لقوله تعالى في نسخ القبلة من بيت المقدس للكعبة : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] أي : أنّكم حين استقبلتم بيت المقدس ، استقبلتموه بأمري ، فلا أضيّع ذلك.
قوله تعالى : (إِذا مَا اتَّقَوْا) : ظرف منصوب بما يفهم من الجملة السابقة ، وهي : «ليس» وما في حيّزها ، والتقدير : لا يأثمون ، ولا يؤاخذون وقت اتّقائهم ، ويجوز أن يكون ظرفا محضا ، وأن يكون فيه معنى الشرط ، وجوابه محذوف ، أو متقدّم على ما مرّ.
فصل
الطعام في الأغلب من اللّغة خلاف الشّراب ، ولذلك يقال : الطعم خلاف الشّرب ، إلّا أن اسم الطعام يقع على المشروبات ، كقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) [البقرة : ٢٤٩] ، وعلى هذا يجوز أن يكون قوله : (فِيما طَعِمُوا) أي : شربوا الخمر ،
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.