قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٩٤)
اللام جواب قسم محذوف ، أي : والله ، ليبلونّكم ، وقد تقدّم أنه تجب اللام وإحدى النونين في مثل هذا الجواب واللام في «ليبلونّكم» مفتوحة لالتقاء الساكنين. قوله تعالى : (بِشَيْءٍ) متعلّق ب «ليبلونّكم» أي : ليختبرنّكم بشيء ؛ وقوله تعالى : (مِنَ الصَّيْدِ:) في محلّ جرّ صفة ل «شيء» فيتعلّق بمحذوف ، و «من» الظاهر أنها تبعيضية ؛ لأنه لم يحرّم صيد الحلال ، ولا صيد الحلّ ، ولا صيد البحر ، وقيل : إنها لبيان الجنس ، وقال مكيّ (١) : «وقيل «من» لبيان الجنس ، فلما قال «بشيء» لم يعلم من أي جنس هو ، فبيّن ، فقال : (مِنَ الصَّيْدِ) ؛ كما تقول : لأعطينّك شيئا من الذّهب» ، وبهذا الوجه بدأ أبو البقاء ، ثم قال (٢) : «وقيل : إنّها للتبعيض» ، وكونها للبيان فيه نظر ؛ لأنّ الصّحيح أنها لا تكون للبيان ، والقائل بأنها للبيان يشترط أن يكون المبيّن بها معرّفا بأل الجنسيّة ؛ كقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] ، وبه قال ابن عطيّة (٣) أيضا ، والزّجّاج هو الأصل في ذلك ، فإنه قال (٤) : وهذا كما تقول : «لأمتحننّك بشيء من الرّزق» ، وكما قال تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ).
والمراد بالصّيد : المصيد ، لقوله تعالى : (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) والصّيد إذا كان بمعنى المصدر يكون حدثا ، وإنما يوصف بنيل الأيدي والرّماح ما يكون عينا.
قوله تعالى : (تَنالُهُ) في محلّ جر ؛ لأنّه صفة ثانية ل «شيء» ، وأجاز أبو البقاء (٥) أن يكون حالا : إمّا من الصّيد ، وإمّا من «شيء» ، وإن كان نكرة ؛ لأنه قد وصف فتخصّص ، واستبعد أبو حيان جعله حالا من الصّيد ، ووجه الاستبعاد : أنه ليس المقصود بالحديث عنه ، وقرأ الجمهور : «تناله» بالمنقوطة فوق ؛ لتأنيث الجمع ، وابن وثّاب والنخعي (٦) بالمنقوطة من تحت ؛ لأنّ تأنيثه غير حقيقيّ.
فإن قيل : نزلت هذه الآية عا م «الحديبية» ، وكانوا محرمين ابتلاهم الله بالصّيد ، وكانت الوحوش تغشى رحالهم من كثرتها ، فهمّوا بأخذها ، فنزلت هذه الآية أي : ليختبرنّكم.
وفائدة البلوى : إظهار المطيع من العاصي ، وإنّما بعّض الصّيد ؛ لأنه ابتلاهم بصيد البرّ خاصّة ، وقيل : صيد الإحرام دون صيد الإحلال.
وقوله تعالى : (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ) يعني : الفرخ والبيض ، وما لا يقدر أن يضرّ من صغار
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢٤٣.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٥.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٣٦.
(٤) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٢٧.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٦.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٣٦ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٠ ، والدر المصون ٢ / ٦٠٥.