الصّيد ، و «رماحكم» يعني : الكبار من الصّيد (لِيَعْلَمَ اللهُ) قاله الواحدي (١) وغيره ، وقال مقاتل بن حيان : كانت الوحوش والطّير تغشاهم في رحالهم ، حتى يقدرون على أخذها بالأيدي ، وصيدها بالرّماح (٢).
وقال بعضهم : هذا غير جائز ؛ لأن الصّيد المتوحّش هو الممتنع دون ما لا يمتنع.
(لِيَعْلَمَ اللهُ) قيل : اللام متعلّقة ب «ليبلونّكم» ، والمعنى : ليتميّز أو ليظهر لكم ، وقد مضى تحقيقه في البقرة ، وأنّ هذه تسمّى لام كي ، وقرأ بعضهم (٣) : «ليعلم» بضم الياء وكسر اللام من «أعلم» ، والمفعول الأوّل على هذه القراءة محذوف ، أي : ليعلم الله عباده ، والمفعول الثاني هو قوله : (مَنْ يَخافُهُ) ف «أعلم» منقولة بهمزة التعدية لواحد بمعنى «عرف» وهذا مجاز ؛ لأنّه ـ تعالى ـ عالم لم يزل ولا يزال ، واختلفوا في معناه ، فقيل : يعاملكم معاملة من يطلب أن يعلم ، وقيل : ليظهر المعلوم ، وهو خوف الخائف ، وقيل : هذا بحذف المضاف والتّقدير : ليعلم أولياء الله من يخافه بالغيب ، وقيل : ليرى الله لأنّه قد علمه.
وقوله تعالى : (بِالْغَيْبِ) أي : يخاف الله ولم يره ، كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) [الأنبياء : ٤٩] أي : يخافون ، فلا يصطادون في حال الإحرام ، وكقوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣] ، وقيل : معنى يخافه بالغيب أي : بإخلاص وتحقيق ، ولا يختلف الحال بسبب حضور واحد أو غيبته ، كما في حقّ المنافقين الذين (إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة : ١٤].
قوله تعالى : (بِالْغَيْبِ) في محلّ نصب على الحال من فاعل «يخافه» ، أي : يخافه ملتبسا بالغيب ، وقد تقدّم معناه في البقرة [الآية ٣].
والمعنى : من يخافه حال كونه غائبا عن رؤيته ، كقوله تعالى : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) [ق : ٣٣].
وجوّز أبو البقاء (٤) ثلاثة أوجه :
أحدها : ما ذكرناه.
والثاني : أنه حال من «من» في «من يخافه».
والثالث : أنّ الباء بمعنى «في» ، والغيب مصدر واقع موقع غائب ، أي : يخافه في المكان الغائب عن الخلق ، فعلى هذا يكون متعلّقا بنفس الفعل قبله ، وعلى الأوّلين يكون متعلّقا بمحذوف على ما عرف.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٧١.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٧٦) عن مقاتل بن حيان وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣) قرأ بها الزهري كما في المحرر الوجيز ٢ / ٢٣٦ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٠ ، والدر المصون ٢ / ٦٠٦.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٦.