قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : اصطاد بعد تحريمه ، فله عذاب أليم ، والمراد : عذاب الآخرة ، والتّعزير في الدّنيا.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : هذا العذاب هو أن يضرب ظهره وبطنه ضربا وجيعا ، وينتزع ثيابه (١).
قال القفّال : وهذا غير جائز ؛ لأن اسم العذاب قد يقع على الضّرب ، كما سمّي جلد الزّانيين عذابا (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) [النور : ٢] ، وقال تعالى : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) [النساء : ٢٥] وقال تعالى حاكيا عن سليمان ـ عليهالسلام ـ في الهدهد (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) [النمل : ٢١].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) (٩٥)
في المراد بالصّيد قولان :
الأوّل : الذي توحّش ، سواء كان مأكولا أو لم يكن ، فعلى هذا المحرم إذا قتل سبعا لا يؤكل لحمه ضمن ، ولا يجاوز به قيمة شاة ، وهو قول أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ.
وقال زفر : [يجب](٢) قيمته بالغا ما بلغ (٣).
الثاني : أنّ الصّيد هو ما يؤكل لحمه ، فعلى هذا لا يجب الضّمان ألبتّة في قتل السّبع ، وهو قول الشّافعيّ [ـ رضي الله عنه ـ] وغيره ، وحكم أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ أنّه لا يجب الجزاء في قتل الفواسق الخمس ، وفي قتل الذّئب ، واستدلّ الشافعيّ بقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ، فأحلّ الصّيد خارج الإحرام ، فثبت أنّ الصيد هو ما أحلّ أكله.
وقال ـ عليه الصّلاة والسلام ـ : «خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم : الغراب ، والحدأة ، والحيّة ، والعقرب ، والكلب العقور» (٤). وفي رواية «والسّبع العادي» (٥) ،
__________________
(١) أخرجه أبو الشيخ من طريق أبي صالح عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (٢ / ٥٧٧).
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٧٣.
(٤) أخرجه البخاري ٦ / ٣٨٩ في الأنبياء (٣٣٥٩) ومسلم (٤ / ١٧٥٧) ، في السلام باب استحباب قتل الوزغ (٤٢ / ٢٢٣٧).
(٥) أخرجه أبو داود ٢ / ١٧٠ ، كتاب المناسك : باب ما يقتل المحرم من الدواب (١٨٤٨) ، والترمذي ٣ / ١٩٨ ، كتاب الحج ، باب ما يقتل المحرم من الدواب (٨٣٨) ، وابن ماجه ٢ / ١٠٣٢ ، كتاب المناسك : باب ما يقتل المحرم (٣٠٨٩) قال البوصيري في مصباح الزجاجة : ٣ / ٣٩ ، ٤٠ هذا إسناد ضعيف ، ـ