فأمّا قراءة الكوفيّين فواضحة لأنّ «مثل» صفة ل «جزاء» ، أي : فعليه «جزاء» موصوف بكونه «مثل ما قتله» أي مماثله.
قالوا : ولا ينبغي إضافة جزاء إلى المثل ، ألا ترى أنّه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة ، إنّما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول الذي لم يقتله.
وجوّز مكي (١) وأبو البقاء (٢) وغيرهما أن يرتفع «مثل» على البدل ، وذكر الزجّاج (٣) وجها غريبا ، وهو أن يرتفع «مثل» على أنه خبر ل «جزاء» ، ويكون «جزاء» مبتدأ ، قال: «والتقدير : فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل» ؛ قال شهاب الدين : ويؤيّد هذا الوجه قراءة عبد الله : «فجزاؤه مثل» ، إلّا أن الأحسن أن يقدّر ذلك المحذوف ضميرا يعود على المقتول ، لا أن يقدّره : «فجزاء ذلك الفعل» و «مثل» بمعنى مماثل قال مكيّ : قاله الزمخشريّ (٤) ، وهو معنى اللّفظ ، فإنّها في قوّة اسم فاعل ، إلّا أنّ مكّيّا توهّم أن «مثلا» قد يكون بمعنى غير مماثل ؛ فإنه قال : «ومثل» في هذه القراءة ـ يعني قراءة الكوفيين ـ بمعنى مماثل ، والتقدير : فجزاء مماثل لما قتل ، يعني في القيمة ، أو في الخلقة ؛ على اختلاف العلماء ، ولو قدّرت مثلا على لفظه ، لصار المعنى : فعليه جزاء مثل المقتول من الصّيد ، وإنما يلزم جزاء المقتول بعينه لا جزاء مثله ؛ لأنه إذا ودى جزاء مثل المقتول ، صار إنما ودى جزاء ما لم يقتل ؛ لأنّ مثل المقتول لم يقتله ، فصحّ أن المعنى : فعليه جزاء مماثل للمقتول ، ولذلك بعدت القراءة بالإضافة عند جماعة ، قال شهاب الدين (٥) : «مثل» بمعنى مماثل أبدا ، فكيف يقول «ولو قدّرت مثلا على لفظه»؟ وأيضا فقوله : «لصار المعنى إلى آخره» هذا الإشكال الذي ذكره لا يتصوّر مجيئه في هذه القراءة أصلا ، وإنما ذكره الناس في قراءة الإضافة ؛ كما سيأتي ، وكأنه نقل هذا الإشكال من قراءة الإضافة إلى قراءة التنوين.
وأمّا قراءة باقي السّبعة ، فاستبعدها جماعة ، قال الواحديّ : «ولا ينبغي إضافة الجزاء إلى المثل ؛ لأنّ عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله ، فإنه لا جزاء عليه لمّا لم يقتله».
وقال مكيّ (٦) بعد ما تقدّم عنه : «ولذلك بعدت القراءة بالإضافة عند جماعة ؛ لأنها توجب جزاء مثل الصيد المقتول» ولا التفات إلى هذا الاستبعاد ؛ فإنّ أكثر القراء عليها ، وقد أجاب الناس عن ذلك بأجوبة سديدة ، لمّا خفيت على أولئك طعنوا في المتواتر ، منها : أنّ «جزاء» مصدر مضاف لمفعوله ؛ تخفيفا ، والأصل : فعليه جزاء مثل ما قتل ، أي : أن يجزي مثل ما قتل ، ثم أضيف ، كما تقول : «عجبت من ضرب زيدا» ثم «من
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢٤٤.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٦.
(٣) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٢٨.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٦٧٨.
(٥) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٠٧.
(٦) ينظر : المشكل ١ / ٣٤٤.