ضرب زيد» ذكر ذلك الزمخشريّ (١) وغيره ، وبسط ذلك ؛ أنّ الجزاء هنا بمعنى القضاء ، والأصل : فعليه أن يجزى المقتول من الصيد مثله من النّعم ، ثم حذف المفعول الأوّل ؛ لدلالة الكلام عليه ، وأضيف المصدر إلى ثانيهما ؛ كقولك : «زيد فقير ويعجبني إعطاؤك الدّرهم» ، أي : إعطاؤك إيّاه ، ومنها : أنّ «مثل» مقحم ؛ كقولهم : «مثلك لا يفعل ذلك» ، [أي : أنت لا تفعل ذلك] وأنا أكرم مثلك أي : أنا أكرمك ، ونحو قوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) [البقرة : ١٣٧] أي : بما آمنتم به ، وكقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، والتقدير ليس كهو شيء ف «مثل» زائدة. وقوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢] ، ومنها أن يكون المعنى «فجزاء من مثل ما قتل من النّعم» كقولك : «خاتم فضّة» أي : «خاتم من فضة» ، وهذا خلاف الأصل فالجواب ما تقدّم و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسميّة ، أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف على كلا التقديرين ، أي : مثل ما قتله من النّعم.
فمن رفع «جزاء» ففيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : فعليه جزاء.
والثاني : أنه خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : فالواجب جزاء.
والثالث : أنه فاعل بفعل محذوف ، أي : فيلزمه الجزاء ، أو يجب عليه جزاء.
الرابع : أنه مبتدأ وخبره «مثل» ، وقد تقدّم أن ذلك مذهب أبي إسحاق الزجّاج ، وتقدم أيضا رفع «مثل» في قراءة الكوفيين ؛ على أحد ثلاثة أوجه : النعت ، والبدل ، والخبر ؛ حيث قلنا : «جزاء» مبتدأ عند الزجّاج.
وأمّا قراءة «فجزاؤه مثل» ، فظاهرة أيضا ، وأمّا قراءة «فجزاء مثل» برفع «جزاء» وتنوينه ، ونصب «مثل» ، فعلى إعمال المصدر المنوّن في مفعوله ، وقد تقدّم أنّ قراءة الإضافة منه ، وهو نظير قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) [البلد : ١٤ ـ ١٥] وفاعله محذوف ، أي : فجزاء أحدكم أو القاتل ، أي : أن يجزى القاتل للصّيد ، وأما قراءة : «فجزاء مثل» بنصبهما ف «جزاء» منصوب على المصدر ، أو على المفعول به ، و «مثل» صفته بالاعتبارين ، والتقدير : فليجز جزاء مثل ، أو : فليخرج جزاء ، أو فليغرّم جزاء مثل.
قوله : «من النّعم» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه صفة ل «جزاء» مطلقا ، أي : سواء رفع أم نصب ، نوّن أم لم ينوّن ، أي : إنّ ذلك الجزاء يكون من جنس النّعم ، فهذا الوجه لا يمتنع بحال.
الثاني : أنه متعلق بنفس «جزاء» ؛ لأنه مصدر ، إلا أنّ ذلك لا يجوز إلا في قراءة من
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٧٩.