أضاف «جزاء» إلى «مثل» ، فإنه لا يلزم منه محذور ؛ بخلاف ما إذا نوّنته ، وجعلت «مثل» صفته ، أو بدلا منه ، أو خبرا له ؛ فإنّ ذلك يمتنع حينئذ ، لأنّك إن جعلته موصوفا ب «مثل» كان ذلك ممنوعا من وجهين :
أحدهما : أنّ المصدر الموصوف لا يعمل ، وهذا قد وصف.
والثاني : أنه مصدر ، فهو بمنزلة الموصول ، والمعمول من تمام صلته ، وقد تقرّر أنه لا يتبع الموصول إلا بعد تمام صلته ؛ لئلا يلزم الفصل بأجنبيّ ، وإن جعلته بدلا ، لزم أن يتبع الموصول قبل تمام صلته ، وإن جعلته خبرا ، لزم الإخبار عن الموصول قبل تمام صلته ، وذلك كلّه لا يجوز.
الثالث : ذكره أبو البقاء (١) وهو أن يكون حالا من عائد الموصول المحذوف ؛ فإنّ التقدير : فجزاء مثل الذي قتله حال كونه من النّعم ، وهذا وهم ؛ لأن الموصوف بكونه من النّعم ، إنما هو جزاء الصيد المقتول ، وأمّا الصيد نفسه ، فلا يكون من النعم ، والجمهور على فتح عين «النّعم» ، وقرأ الحسن (٢) بسكونها ، فقال ابن عطيّة (٣) : «هي لغة» ، وقال الزمخشريّ (٤) : استثقل الحركة على حرف الحلق ، كما قالوا : «الشّعر» في «الشّعر».
فصل
اختلفوا في هذا العمد : فقال قوم : هو تعمّد قتل الصّيد مع نسيان الإحرام ، أمّا إذا قتله عمدا وهو ذاكر لإحرامه ، فلا حكم عليه ، وأمره إلى الله تعالى ؛ لأنّه أعظم من أن يكون له كفّارة ، وهو قول مجاهد والحسن (٥).
وقال آخرون : هناك فرق بين أن يعمد المحرم قتل الصّيد ذاكرا لإحرامه ، فعليه الكفّارة ، واختلفوا فيما لو قتله خطأ ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أنّ العمد والخطأ واحد في لزوم الكفّارة.
قال الزّهري : على المتعمّد بالكتاب ، وعلى المخطىء بالسّنّة (٦) وقال سعيد بن جبير : لا تجب كفّارة الصّيد بقتل الخطأ (٧) ، وهو قول داود.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٦.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٣٨ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٢ ، والدر المصون ٢ / ٦٠٨.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٣٨.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٦٧٩.
(٥) أخرجه الطبري (٥ / ٤٣) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٧٧) وزاد نسبته لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.
(٦) أخرجه الطبري (٥ / ٤٣) عن الزهري.
(٧) أخرجه الطبري (٥ / ٤٣) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٧٨) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.