وقال ميمون بن مهران (١) : جاء أعرابيّ إلى أبي بكر الصّدّيق ـ رضي الله تعالى عنه ـ فقال : إنّي أصيت من الصّيد كذا وكذا ، فسأل أبو بكر أبيّ بن كعب ، فقال الأعرابيّ : أتيتك أسألك ، وأنت تسأل غيرك ، فقال أبو بكر : وما أنكرت من ذلك؟ قال تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فشاورت صاحبي ، فإذا اتّفقنا على شيء أمرناك به (٢).
وعن قبيصة بن جابر ؛ أنه كان محرما ، فضرب ظبيا فمات ، فسأل عمر بن الخطّاب ، وكان إلى جنبه عبد الرّحمن بن عوف ، فقال عمر لعبد الرّحمن : ما ترى ، قال : عليه شاة ، قال : وأنا أرى ذلك ، قال اذهب فأهد شاة ، قال قبيصة : فخرجت إلى صاحبي ، وقلت : إنّ أمير المؤمنين لم يدر ما يقول ، حتى سأل غيره.
قال ففجأني عمر ، وعلاني بالدرّة ، وقال : أتقتل في الحرم وتسفّه الحكم؟ قال تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فأنا عمر ، وهذا عبد الرحمن بن عوف (٣). واحتجّ أبو حنيفة في إيجاب القيمة بأنّ التّقويم هو المحتاج إلى النّظر والاجتهاد ، وأما الخلقة والصّورة فظاهرة لا يحتاج فيها إلى الاجتهاد.
وأجيب : بأن المشابهة بين الصّيد وبين النّعم مختلفة وكثيرة ، فلا بد من الاجتهاد في تمييز الأقوى عن الأضعف.
فصل
الذي له مثل ضربان : فما حكمت فيه الصّحابة بحكم ، لا يعدل إلى غيره ؛ لأنّهم شاهدوا التّنزيل وحضروا التّأويل ، وما لم يحكم فيه الصحابة ، يرجع إلى اجتهاد عدلين.
وقال مالك : يجب التّحكيم فيما حكمت به الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، وفيما لم تحكم فيه.
فصل
يجوز أنّ القاتل أحد العدلين ، إن كان أخطأ فيه ، فإن تعمّد فلا يجوز ؛ لأنه يفسّق به.
وقال مالك : لا يجوز في تقويم المتلفات ، وأجيب : بأن الله تعالى أوجب أن يحكم به ذوا عدل ، وإذا صدر عنه القتل خطأ كان عدلا ، فإذا حكم هو وغيره ، فقد حكم به ذوا عدل.
وقد روي أنّ بعض الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ أوطأ فرسه ظبيا ، فسأل عمر عنه ، فقال عمر : احكم ، فقال : أنت أعدل يا أمير المؤمنين ، فاحكم ، فقال عمر ـ رضي الله
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٧٧.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٨١) عن ميمون بن مهران وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ٤٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٨١) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.