الثالث : أنه منصوب على المصدر ، أي : يهديه هديا ، ذكره مكي (١) وأبو البقاء (٢).
الرابع : أنه منصوب على التّمييز ، قاله أبو البقاء (٣) ومكيّ (٤) ، إلا أنّ مكّيا ، قال : «على البيان» ، وهو التمييز في المعنى ، وكأنهما ظنّا أنه تمييز لما أبهم في المثلية ؛ إذ ليس هنا شيء يصلح للتمييز غيرها ، وفيه نظر ؛ من حيث إنّ التمييز إنما يرفع الإبهام عن الذّوات ، لا عن الصفات ، وهذا كما رأيت إنما رفع إبهاما عن صفة ؛ لأنّ الهدي صفة في المعنى ؛ إذ المراد به مهدى.
الخامس : أنه منصوب على محلّ «مثل» فيمن خفضه ؛ لأنّ محلّه النصب بعمل المصدر فيه تقديرا ؛ كما تقدّم تحريره.
السادس : أنه بدل من «جزاء» فيمن نصبه. و (بالِغَ الْكَعْبَةِ) صفة ل «هديا» ، ولم يتعرّف بالإضافة ؛ لأنه عامل في الكعبة النصب تقديرا ، ومثله : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤] وقول الآخر : [البسيط]
٢٠٥٢ ـ يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم |
|
لاقى مباعدة منكم وحرمانا (٥) |
في أنّ الإضافة فيها غير محضة ، وقرأ (٦) الأعرج : «هديّا» بكسر الدال وتشديد الياء.
فصل
المعنى : يحكمان به هديا يساق إلى الكعبة ، فينحر هناك ، وهذا يؤيّد قول من أوجب المثل من طريق الخلقة ؛ لأنه تعالى لم يقل : يحكمان به شيئا يشترى به هدي ، وإنّما قال : يحكمان به هديا ، وهذا صريح في أنّهما يحكمان بالهدي لا غير ، وأن يكون المعنى : يحكمان به شيئا يشترى به ما يكون هديا وهذا بعيد عن الظّاهر.
وسمّيت الكعبة كعبة لارتفاعها ، والعرب تسمّي كل بيت مرتفع كعبة ، والكعبة هنا إنّما أريد بها كلّ الحرم ؛ لأنّ الذبح والنّحر لا يفعلان في الكعبة ، ولا عندها ملاصقا لها ، ونظيره قوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٣٣] ، والمراد ببلوغه للكعبة : أن يذبح بالحرم ، ويتصدّق باللّحم على مساكين الحرم.
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢٤٥.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٧.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : المشكل ١ / ٢٤٥.
(٥) البيت لجرير ينظر : ديوانه ١٦٣ ، الكتاب ١ / ٤٢٧ ، شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧١٢ ، شرح التصريح ٢ / ٢٨ ، لسان العرب (عرض) ، المقاصد النحوية ٣ / ٣٦٤ ، المقتضب ٤ / ١٥٠ ، مغني اللبيب ١ / ٥١١ ، همع الهوامع ٢ / ٤٧ ، سر صناعة الإعراب ٢ / ٤٥٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٩٠ المقتضب ٣ / ٢٢٧ ، ٤ / ٢٨٩ ، شرح الأشموني ٢ / ٣٠٥ ، وينظر : الدر المصون ٢ / ٦١٠.
(٦) ينظر : الشواذ ٤١ ، البحر ٤ / ٢٣.