قوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) «من» يجوز أن تكون شرطية ، فالفاء جوابها ، و «ينتقم» خبر لمبتدأ محذوف ، أي : فهو ينتقم ، ولا يجوز الجزم مع الفاء ألبتة ، قال : سيبويه : «الفاء» في قوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) ، وفي قوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ) [البقرة : ١٢٦] ، و (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) [الجن : ١٣] إنّ في هذه الآيات إضمارا مقدّرا ، والتّقدير : ومن عاد فهو ينتقم الله منه ومن كفر فأنا أمتّعه ، ومن يؤمن بربه فهو لا يخاف ، وبالجملة فلا بد من إضمار مبتدأ يكون ذلك الفعل خبرا عنه ؛ لأنّ الفعل يصير بنفسه جزاء ، فلا حاجة إلى إدخال حرف الجزاء عليه ، فيصير إدخال حرف «الفاء» على الفعل لغوا ، أما إذا أضمرنا المبتدأ ، احتجنا إلى إدخال «الفاء» عليه ؛ ليرتبط بالشّرط فلا تصير «الفاء» لغوا.
ويجوز أن تكون «من» موصولة ، ودخلت الفاء في خبر المبتدأ ، لمّا أشبه الشرط ، فالفاء زائدة ، والجملة بعدها خبر ، ولا حاجة إلى إضمار مبتدأ بعد الفاء ؛ بخلاف ما تقدّم. قال أبو البقاء (١) : «حسّن دخول الفاء كون فعل الشرط ماضيا لفظا».
فصل
معنى الآية : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) : في الآخرة (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ).
واعلم : أنّه إذا تكرّر من المحرم قتل الصّيد ، فيتكرر (٢) عليه الجزاء عند عامّة أهل العلم.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : إذا قتل المحرم صيدا متعمّدا ، يسأل هل قتلت قبلها شيئا من الصّيد؟ فإن قال : نعم ، لم يحكم عليه ، ويقال : اذهب فينتقم الله منك (٣).
وإن قال : لم أقتل قبله شيئا حكم عليه [فإن عاد بعد ذلك ، لم يحكم عليه](٤) ، ولكن يملأ ظهره وصدره ضربا وجيعا ، وكذلك حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صيد «وجّ» ـ وهو واد بالطّائف ـ ، واختلفوا في المحرم ، هل يجوز له أكل لحم الصّيد؟
فذهب قوم إلى أنّه لا يحلّ له بحال ، يروى ذلك عن ابن عبّاس ، وهو قول طاوس ، وبه قال سفيان الثّوري ، لما روى عبد الله بن عبّاس عن الصّعب بن جثامة اللّيثيّ : أنّه أهدى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حمارا وحشيّا ، وهو في الأبواء أو بودان ، فردّه رسول صلىاللهعليهوسلم ، قال : فلمّا رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ما في وجهي ، قال : «إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم» (٥)
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٧.
(٢) في أ : فينفرد.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٦٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٨٤) وزاد نسبته لابن المنذر.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه مالك في الموطأ ١ / ٣٥٣ ، كتاب الحج ، باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد (٨٣) ، والبخاري ٥ / ٢٦٠ ، كتاب الهبة : باب من لم يقبل الهدية لعلة (٢٥٩٦) ومسلم ٢ / ٨٥٠ ، كتاب الحج : باب تحريم الصيد للمحرم (٥٠ ـ ١١٩٣).