وذهب الأكثرون إلى أنّه يجوز للمحرم أكله ، إذا لم يصطد بنفسه ، ولا صيد لأجله أو بإشارته ، وهو قول عمر ، وعثمان ، وأبي هريرة ، وبه قال عطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وهو مذهب مالك ، والشّافعيّ ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرّأي ، وإنّما ردّ النبي صلىاللهعليهوسلم على الصّعب بن جثامة ؛ لأنّه ظنّ أنّه صيد من أجله.
ويدلّ على الجواز ، ما روى نافع ـ مولى أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاري : أنّه كان مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتّى إذا كان ببعض طريق مكّة ، تخلّف مع أصحاب له محرمين ـ وهو غير محرم ـ ، فرأى حمارا وحشيا ، فاستوى على فرسه ، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطا فأبوا ، فسألهم رمحه فأبوا ، فأخذه ، ثمّ شدّ على الحمار فقتله ، فأكل منه بعض أصحاب النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأبى بعضهم ، فلمّا أدركوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألوه عن ذلك فقال : إنّما هي طعمة أطعمكموها الله (١) وروى جابر بن عبد الله : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لحم الصّيد لكم في الإحرام حلال ، ما لم تصيدوه أو يصاد لكم (٢).
فصل
وإذا أتلف المحرم شيئا من الصّيد لا مثل له من النّعم ، مثل بيض أو طائر دون
__________________
(١) أخرجه مالك في الموطأ ١ / ٣٥٠ ، كتاب الحج : باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد (٧٦) والبخاري ٦ / ١١٥ ، كتاب الجهاد والسير : باب ما قيل في الرماح (٢٩١٤) ، وكتاب الذبائح والصيد : باب ما جاء في التصيد (٥٤٩٠) ، ومسلم ٢ / ٨٥٢ ، كتاب الحج : باب تحريم الصيد للمحرم (٥٧ ـ ١١٠٦).
(٢) أخرجه أبو داود ٢ / ١٧١ ، كتاب المناسك : باب لحم الصيد للمحرم (١٨٥١) ، والترمذي ٣ / ٢٠٤ كتاب الحج : باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم (٨٤٦) والنسائي ٥ / ١٨٦ ، ١٨٧ كتاب الحج : باب إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله (٢٨٢٧) ، والحاكم ١ / ٤٥٢ ، كتاب المناسك : باب حلّيّة لحم الصيد للمحرم ما لم يصده أو يصاد له ، وابن حبان موارد ص ٢٤٣ ، كتاب الحج. باب ما جاء في الصيد للمحرم وجزائه (٩٨٠).
قال الحافظ في التلخيص : وعمرو مختلف فيه وإن كان من رجال الصحيحين ، ومولاه قال الترمذي : لا يعرف له سماع عن جابر ، وقال في موضع آخر : قال محمد : لا أعرف له سماعا من أحد من الصحابة إلّا قوله : حدثني من شهد خطبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول : لا نعرف له سماعا من أحد من الصحابة ، وقد رواه الشافعي عن الدراوردي عن عمرو عن رجل من الأنصار عن جابر ، قال الشافعي إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي ومعه سليمان بن بلال يعني : أنهما قالا فيه : عن المطلب قال الشافعي : وهذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب ، قلت : ورواه الطبراني في الكبير من رواية يوسف بن خالد السمتي عن عمرو عن المطلب عن أبي موسى ويوسف متروك ، ووافقه إبراهيم بن سويد عن عمرو وعنه الطحاوي وقد خالفه إبراهيم بن أبي يحيى وسليمان بن بلال والدراوردي ، ويحيى بن عبد الله بن سالم ويعقوب بن عبد الرحمن ومالك قيل وآخرون وهم أحفظ منه وأوثق ، ورواه الخطيب في الرواة عن مالك من رواية عثمان بن عفان بن خالد المخزومي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وعثمان ضعيف جدا ، وقال الخطيب : تفرد به عن مالك ، وهو في كامل ابن عدي وضعفه بعثمان.