وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(١٠٠)
لمّا حرّم الله تعالى الاصطياد على المحرمين ، وبيّن أنّ الإحرام سبب لأمن الوحش والطّير ، بيّن هاهنا أنّ ذلك التّحريم الذي حرّمه الإحرام ؛ إنّما سببه حرمة هذا البيت الحرام ، فكما أنّه سبب لأمن الوحش والطّير ، فكذلك هو سبب لأمن النّاس عن الآفات والمخافات.
قوله : (جَعَلَ اللهُ) : فيها وجهان :
أحدهما : أنها بمعنى «صيّر» فتتعدّى لاثنين ، أولهما «الكعبة» والثاني «قياما».
والثاني : أن تكون بمعنى «خلق» ، فتتعدّى لواحد ، وهو «الكعبة» ، و «قياما» نصب على الحال ، وقال بعضهم : إنّ «جعل» هنا بمعنى «بيّن» و «حكم» ، وهذا ينبغي أن يحمل على تفسير المعنى لا تفسير اللغة ؛ إذ لم ينقل أهل العربية ؛ أنها تكون بمعنى «بيّن» ولا «حكم» ، ولكن يلزم من الجعل البيان ، وأمّا «البيت» ، فانتصابه على أحد وجهين : إما البدل ، وإما عطف البيان ، وفائدة ذلك : أن بعض الجاهليّة ـ وهم خثعم ـ سمّوا بيتا الكعبة اليمانية ، فجيء بهذا البدل ، أو البيان ، تبيينا له من غيره ، وقال الزمخشريّ (١) : (الْبَيْتَ الْحَرامَ) عطف بيان على جهة المدح ، لا على جهة التوضيح ؛ كما تجيء الصفة كذلك» ، واعترض عليه أبو حيان بأن شرط البيان الجمود ، والجمود لا يشعر بمدح ، وإنما يشعر به المشتقّ ، ثم قال : «إلّا أن يريد أنه لمّا وصف البيت بالحرام اقتضى المجموع ذلك فيمكن».
والكعبة لغة : كلّ بيت مربّع ، وسمّيت الكعبة كعبة لذلك ، وأصل اشتقاق ذلك من الكعب الذي هو أحد أعضاء الآدميّ ، قال الراغب (٢) : «كعب الرجل» العظم الذي عند ملتقى الساق والقدم ، والكعبة كلّ بيت على هيئتها في التّربيع ، والعرب تسمّي كلّ بيت مربّع كعبة ؛ لانفرادها من البناء.
وقيل : سمّيت كعبة لارتفاعها من الأرض ، وأصلها من الخروج والارتفاع ، وسمّي الكعب كعبا لنتوئه ، وخروجه من جانبي القدم ، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرج ثدياها تكعّبت والكعبة لمّا ارتفع ذكرها سمّيت بهذا الاسم ، ويقولون لمن عظم أمره «فلان علا كعبه» وذو الكعبات : بيت كان في الجاهلية لبني ربيعة ، وتقدّم الكلام في هذه المادة أول السورة [آية ٦].
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٨١.
(٢) ينظر : المفردات ٤٥٠.