فصل
قالوا : بنيت الكعبة الكريمة خمس مرّات :
الأولى : بناء الملائكة قبل آدم ـ عليهالسلام ـ.
والثانية : بناء إبراهيم ـ عليهالسلام ـ.
والثالثة : بناء قريش في الجاهليّة ، وحضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذا البناء.
والرابعة : بناء ابن الزّبير ـ رضي الله عنه ـ.
والخامسة : بناء الحجّاج وهو البناء الموجود اليوم ، وهكذا كانت في زمن الرّسول ـ عليهالسلام ـ قال الماوردي في «الأحكام السّلطانيّة» : كانت الكعبة بعد إبراهيم ـ عليهالسلام ـ مع «جرهم» والعمالقة إلى أن انقرضوا ، وخلفتهم فيها قريش بعد استيلائهم على الحرم لكثرتهم بعد القلّة ، وعزهم بعد الذّلّة ، فكان أوّل من جدّد بناء الكعبة بعد إبراهيم ـ عليهالسلام ـ قصيّ بن كلاب ، وسقّفها بخشب الدوم وجريد النّخل ، ثمّ بنتها قريش بعده ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ابن خمس وعشرين سنة ، وشهد بناءها ، وكان بابها بالأرض ، فقال أبو حذيفة بن المغيرة : يا قوم ، ارفعوا باب الكعبة حتّى لا يدخل [أحد](١) إلّا بسلّم ، فإنّه لا يدخلها حينئذ الآن إلّا ما أردتم ، فإن جاء أحد ممن تكرهون ، رميتم به فسقط ، وصار نكالا لمن يراه ، ففعلت قريش ذلك ، وكان سبب بنائها أنّ الكعبة استهدمت وكانت فوق القامة ، فأرادوا تعليتها.
قوله : «قياما» [قراءة الجمهور بألف بعد الياء ، وابن عامر (٢) : «قيما» دون ألف بزنة «عنب» ، والقيام هنا يحتمل أن يكون مصدرا ل «قام ـ يقوم» ، والمعنى : أنّ الله جعل الكعبة سببا لقيام النّاس إليها ، أي : لزيارتها والحجّ إليها ، أو لأنّها يصلح عندها أمر دينهم ودنياهم ، فيها يقومون ، ويجوز أن يكون القيام بمعنى القوام ، فقلبت الواو ياء ؛ لانكسار ما قبلها ، كذا قال الواحديّ ، وفيه نظر ؛ إذ لا موجب لإعلاله ؛ إذ هو ك «السّواك» ، فينبغي أن يقال : إنّ القيام والقوام بمعنى واحد ؛ قال : [الرجز]
٢٠٥٤ ـ قوام دنيا وقوام دين (٣)
فأمّا إذا دخلها تاء التأنيث ، لزمت الياء ؛ نحو : «القيامة» ، وأمّا قراءة ابن عامر ، فاستشكلها بعضهم بأنه لا يخلو : إمّا أن يكون مصدرا على فعل ، وإما أن يكون على
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : السبعة ٢٤٨ ، والحجة ٣ / ٢٥٨ ، وحجة القراءات ٢٣٧ ، والعنوان ٨٨ ، وشرح شعلة ٣٥٤ ، وإتحاف ١ / ٥٤٣.
(٣) البيت لحميد الأرقط ينظر : مجاز القرآن ١ / ١٧٧ ، البحر ٤ / ٢٨ ، الطبري ٥ / ٧٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ٢٤٣ ، الدر المصون ٢ / ٦١٤.