فعال ، فإن كان الأوّل ، فينبغي أن تصحّ الواو ك «حول» و «عور» ، وإن كان الثاني ، فالقصر لا يأتي إلا في شعر ، وقرأ الجحدريّ (١) : «قيّما» بتشديد الياء ، وهو اسم دالّ على ثبوت الصفة ، وقد تقدّم تحقيقه أوّل النساء [الآية ٥]].
فصل في معنى الآية
معنى كونه قياما للنّاس أي : سبب لقوام مصالح النّاس في أمر دينهم ودنياهم أمّا الدّين ؛ فلأنّ به يقوم الحجّ والمناسك ، وأمّا الدّنيا : فبما يجبى إليه من الثّمرات ، وكانوا يأمنون فيه من النّهب والغارة ، فلا يتعرّض لهم أحد من الحرم ، فكأنّ أهل الحرم آمنين على أنفسهم وأموالهم ، حتّى لو لقي الرّجل قاتل أبيه وابنه لم يتعرّض له ، ولو جنى الرّجل أعظم الجنايات ثمّ التجأ إلى الحرم ، لم يتعرّض له ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٦٧].
والمراد بقوله : (قِياماً لِلنَّاسِ) أي : لبعض النّاس وهم العرب ، وإنّما حسن هذا المجاز ؛ لأنّ أهل كلّ بلد إذا قالوا : النّاس فعلوا [وصنعوا](٢) كذا» ، فهم لا يريدون إلّا أهل بلدهم ، فلهذا السّبب خوطبوا بهذا الخطاب على وفق عادتهم.
قوله : (وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) عطف على «الكعبة» ، والمفعول الثاني أو الحال محذوف ، لفهم المعنى ، أي : جعل الله أيضا الشّهر والهدي والقلائد قياما.
واعلم : أنّه تعالى جعل هذه الأربعة أشياء أسبابا لقيام النّاس وقوامهم ، فأحدها : الكعبة كما تقدّم بيانه. وثانيها : الشّهر الحرام ، ومعنى كونه سببا لقيام النّاس : هو أنّ العرب كان يقتل بعضهم بعضا ، ويغير بعضهم على بعض في سائر الأشهر ، فإذا دخل الشّهر الحرام زال الخوف ، وسافروا للتّجارات ، وأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، وحصّلوا في الشّهر الحرام قوتهم طول السّنة ، فلو لا الشّهر الحرام لفنوا وهلكوا من الجوع والشّدّة ، فكان الشّهر الحرام سببا لقوام معيشتهم.
والمراد بالشّهر الحرام : الأشهر الحرم وهي : ذو القعدة وذو الحجّة ورجب.
وثالثها : الهدي ، ومعنى كونه سببا لقيام النّاس : لأنّ الهدي ما يهدى إلى البيت ، ويذبح هناك ويفرّق لحمه على الفقراء فيكون ذلك نسكا للمهدي ، وقواما لمعيشة الفقراء.
ورابعها : القلائد ، ومعنى كونها قواما للناس : أنّ من قصد البيت في الشّهر الحرام أو في غير الشّهر الحرام ، ومعه هدي قد قلّده ، وقلّد نفسه من لحاء شجر الحرم ، لم يتعرّض له أحد ، حتّى إنّ أحدا من العرب يلقى الهدي مقلّدا ، وهو يموت من الجوع فلا
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٤٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٩ ، والدر المصون ٢ / ٦١٤.
(٢) سقط في أ.